إلى أنّ الإرادة الاستعماليّة في تلك الأدلّة وإن كانت مطلقة شاملة لحال النسيان أيضا ، إلّا أنّ حديث الرفع يكشف عن قصر الإرادة على غير حال النسيان ، وليس معنى رفع الجزئيّة فيه أنّ الجزئيّة المطلقة المطابقة للإرادة الجدّيّة صارت مرفوعة في حال النسيان ، فإنّ ذلك من قبيل النسخ المستحيل ، بل معنى الرفع هو رفع ما ثبت بالقانون العامّ الكلّي المطابق للإرادة الاستعماليّة ، وضمّ ذلك القانون إلى حديث الرفع ينتج أنّ الإرادة الجديّة من أوّل الأمر كانت مقصورة على غير صورة النسيان ، وهذا هو الشأن في جميع الأدلّة الثانويّة بالقياس إلى الأدلّة الأوّليّة.
فنفي الحكم الحرجي بقوله تعالى : (وَما جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ)(١) مرجعه إلى كون ذلك كاشفا عن انحصار مقتضى الأدلة الأوّليّة بغير صورة الحرج.
غاية الأمر أنّها ألقت بصورة الإطلاق قانونا ، كما هو كذلك في القوانين الموضوعة عند العقلاء ، وقد تقدّم في مباحث العموم والخصوص شطر من الكلام على ذلك وأنّ معنى التخصيص يرجع إلى التخصيص بالنسبة إلى الإرادة الاستعماليّة لا الجدّيّة ، فإنّها من أوّل الأمر لم تكن متعلّقة بما يشمل مورد المخصّص أيضا ، كما لا يخفى. وحديث الرفع يرفع الجزئيّة الثابتة على طبق الإرادة الاستعماليّة والحكم الكلّي القانوني ، لا الثابتة على طبق الإرادة الجديّة.
الثالث : أنّ معنى رفع النسيان ليس راجعا إلى رفع النسيان التي هي صفة منقدحة في النفس ، ولا إلى رفع الآثار المترتّبة عليها ، بل معناه هو رفع المنسي
__________________
(١) الحجّ : ٧٨.