اختياري ، لا بمعنى اختياريّته المسبوقة بالإرادة ؛ لاستلزامه للدور والتسلسل مع مخالفته للوجدان ، بل معناها القدرة على التصديق بالفائدة بعناية الله تبارك وتعالى ، وهكذا نفس الإرادة فإنّها من الامور الاختياريّة لا بمعنى المسبوقيّة بالإرادة ، بل بمعنى إهداء الخالق حصّة وشعاعا من خلّاقيّته إلى النفس الإنسانيّة ؛ ولذا يكون الإنسان قادرا على خلق التصوّر والتصديق بالفائدة والإرادة ، ومن هنا يقول : أنا القادر على الإرادة.
والقاعدة المذكورة هنا نظير ما يقول به المادّيّون : بأنّ كلّ موجود يحتاج إلى العلّة ، وأنّه يشمل الواجب الوجود أيضا ، والحال أنّ الافتقار إلى العلّة يرتبط بالماهيّات الممكنة التي تكون نسبتها إلى الوجود والعدم على السواء ، وأمّا واجب الوجود فلا معنى لاحتياجه في الوجود إلى العلّة ؛ إذ الوجود له ضروريّ الثبوت فلا بدّ من ملاحظة محدودة هذه القواعد.
ويؤيّد اختياريّة الإرادة ما ذكره صاحب الكفاية قدسسره في باب المشتقّ من إطلاق المشتقّات على الواجب الوجود والممكن الوجود على السواء ، فلا فرق بين قولنا : «الله تعالى عالم» وقولنا : «الإنسان عالم» من حيث مفهوم العالم ، والفرق بينهما من حيث إنّ علم الله تعالى عين ذاته ، وعلم الإنسان خارج عن ذاته وزائد عليه ، وأنّه تعالى عالم بكلّ شيء وعلم الإنسان محدود ، ولكن لا فرق من حيث إطلاق العالم عليهما.
ونحن نقول : يتحقّق هذا المعنى في باب الإرادة أيضا ، فإنّ إطلاق المريد على الله تعالى وعلى الإنسان على السواء ، إلّا أنّ إرادة الله تعالى عين ذاته وإرادة الإنسان أمر حادث توجدها النفس الإنسانيّة ، وهذا فرق الواجب والممكن لا فرق الإرادة فيهما.