فالملاك في اختياريّة الفعل هو صدوره عن إرادة من دون أن تكون هذه الإرادة مسبوقة بإرادة اخرى ، فإنّ هذا المعنى في إرادة الباري مستلزم لأن يكون سبحانه وتعالى محلّا للحوادث ، فإنّ حدوث صفة في محلّ مستلزم لحدوث قابليّة واستعداد في المحلّ لها ، فيلزم تركّبه تعالى من جهة الفعليّة بالنظر إلى الذات وجهة القابليّة والاستعداد بالنظر إلى حدوث الإرادة ، والمركّب محتاج إلى أجزائه ، والمحتاج ممكن ، والممكن لا يكون واجبا لذاته ، فيلزم انقلاب الواجب إلى الممكن ، وهو محال.
المسألة الثانية : في بيان المراد من جملة : «الذاتي لا يعلّل» وأنّ السعادة والشقاوة من مصاديقه أم لا؟
والذاتي قد يطلق ويراد به ذاتي باب الإيساغوجي ـ أي الكلّيات الخمسة ـ والمراد منه الجنس والفصل والنوع المركّب منهما ، وقد يطلق ويراد به ذاتي باب البرهان ، ومعناه أعمّ من الذاتي في باب الإيساغوجي ؛ لأنّه يشمل لوازم الماهيّة كالزوجيّة للأربعة ، بل مثل الوجود للواجب الوجود ، والامتناع لشريك الباري.
إذا عرفت هذا فنقول : إنّ المراد من الذاتي في قاعدة «الذاتي لا يعلّل» هو الذاتي في باب البرهان ، وأمّا الدليل على أنّه لا يعلّل فهو : أنّ كلّ محمول إذا قسناه إلى موضوعه لا يخلو عن أحد الامور التالية :
الأوّل : أن يكون المحمول ضروريّ الثبوت بالنسبة إلى موضوعه كالحيوان الناطق بالقياس إلى الإنسان.
الثاني : أن يكون المحمول ضروري العدم بالنسبة إليه كالحيوان الناهق بالقياس إلى الإنسان.