غاية الأمر أنّ الاختلاف بينهما إنّما هو باختلاف الأغراض والدواعي ، وأمّا من جهة البعث والتحريك فلا فرق بينهما أصلا ، وحينئذ فيشترط فيه عقلا القدرة على متعلّقه ، وحيث إنّه لا قدرة في البين ـ كما هو المفروض ـ فاللازم سقوطه وبقاء الأمر بالباقي ، بخلاف ما لو كان بمثل قوله : «لا صلاة إلّا بفاتحة الكتاب» ممّا لا يكون فيه بعث ولا تحريك أصلا ، فإنّ ظاهره اشتراط الصلاة بالفاتحة وعدم تحقّقها بدونها ، فمع عدم القدرة عليها يسقط الأمر المتعلّق بها ، وحينئذ فيتمّ ما أفاده الوحيد رحمهالله.
وثانيا : منع ما ذكره من اعتبار القدرة في المجموع لقيام ملاك البعث المولوي به ، لأنّ البعث مطلقا ـ مولويّا كان أو غيريّا ـ مشروط بالقدرة ، وكون المتعلّق في البعث الغيري دخيلا في المطلوب الذاتي ـ جزء أو شرطا لا نفس المطلوب الذاتي ـ لا يوجب نفي اعتبار القدرة عليه ؛ لأنّ اعتبارها إنّما هو لأجل نفس البعث والتحريك ، كما هو واضح.
فالإنصاف بطلان هذا الجواب ، وكذا فساد أصل التوجيه ، والظاهر أنّ مرجع كلام الوحيد رحمهالله إلى ما ذكرناه ، فتدبّر.
فمحلّ النزاع أنّ بعد إثبات جزئيّة شيء أو شرطيّته أو مانعيّته أو قاطعيّته بنحو الإجمال نشكّ في أنّها مطلقة أو مختصّة بصورة التمكّن ، والمفروض أنّه لا إطلاق لكلا الدليلين ـ أي دليل الجزء ودليل أصل المأمور به ـ أو يتحقّق الإطلاق لكليهما بدون أن يكون أحدهما حاكما على الآخر ، إذا عرفت ذلك فاعلم أنّ الكلام يقع في مقامين :
أحدهما : فيما تقتضيه القواعد الأوّليّة.
وثانيهما : فيما تقتضيه القواعد الثانويّة.