«لا صلاة إلّا بفاتحة الكتاب» ، فإنّه لم يتعلّق أمر بالفاتحة حتّى يشترط فيه القدرة عليها ، بل إنّما افيد ذلك بلسان الوضع لا التكليف ، ولازم ذلك سقوط الأمر بالصلاة عند تعذّر الفاتحة ؛ لعدم التمكّن من إيجاد الصلاة الصحيحة عند عدم تمكّنه من الفاتحة.
وأجاب عنه بأنّ القدرة إنّما تعتبر في متعلّقات التكاليف النفسيّة ؛ لكونها طلبا مولويّا وبعثا فعليّا نحو المتعلّق ، والعقل يستقلّ بقبح تكليف العاجز ، وهذا بخلاف الخطابات الغيريّة ، فإنّه يمكن أن يقال : إنّ مفادها ليس إلّا الإرشاد وبيان دخل متعلّقاتها في متعلّقات الخطابات النفسيّة ، وفي الحقيقة الخطابات الغيريّة في باب التكاليف وفي باب الوضع تكون بمنزلة الأخبار من دون أن يكون فيها بعث وتحريك حتّى تقتضي القدرة على متعلّقه.
ثمّ إنّه لو سلّم الفرق بين الخطابات الغيريّة في باب متعلّقات التكاليف وفي باب الوضعيّات ، وأنّها في التكاليف تتضمّن البعث والتحريك ، فلا إشكال في أنّه ليس في آحاد الخطابات الغيريّة ملاك البعث المولوي ، وإلّا لخرجت عن كونها غيريّة ، بل ملاك البعث المولوي قائم بالمجموع ، فالقدرة إنّما تعتبر أيضا في المجموع لا في الآحاد ، وتعذّر البعض يوجب سلب القدرة عن المجموع ، ولازم ذلك سقوط الأمر منه لا من خصوص ذلك البعض (١). انتهى.
ويرد عليه : أوّلا : أنّ ما أفاده من أنّ الخطابات الغيريّة في باب التكاليف وفي باب الوضع تكون بمنزلة الأخبار من دون أن يكون فيها بعث وتحريك فممنوع جدّا ؛ ضرورة أنّ الأوامر مطلقا ـ نفسيّة كانت أو غيرية ، مولويّة كانت أو إرشاديّة ـ إنّما تكون للبعث والتحريك كما مرّت الإشارة إلى ذلك سابقا.
__________________
(١) فوائد الاصول ٤ : ٢٥١ ـ ٢٥٣.