لتوقّف كلّ حكم على موضوعه ، وهذا دور صريح ، وسيأتي الكلام في هذا القول في توضيح كلام الإمام قدسسره.
القول الثاني : ما اختاره المحقّق النائيني قدسسره (١) من التفصيل بين التقييد اللحاظي ونتيجة التقييد ؛ باستحالة الأوّل وإمكان الثاني.
توضيح ذلك : أنّ الانقسامات قد تكون في رتبة متقدّمة على الحكم كالاستطاعة بالنسبة إلى وجوب الحجّ ، فإنّ انقسام المكلّف بالمستطيع وغير المستطيع لا يتوقّف على جعل وجوب الحجّ ، ويعبّر عنها بالانقسامات السابقة على الحكم ، وقد يكون في رتبة متأخّرة عن الحكم ، مثل : تقسيم المكلّف بأنّه إمّا عالم بالحكم وإمّا جاهل به ، ويعبّر عنها بالانقسامات اللّاحقة للحكم.
ثمّ إنّ التقييد اللحاظي بالنسبة إلى الانقسامات السابقة ممكن ، كما تراه في قوله تعالى : (وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً)(٢) ، يعني إذا استطعتم يجب عليكم الحجّ ، وإذا أمكن التقييد اللحاظي فيها أمكن الإطلاق أيضا.
وأمّا في الانقسامات اللّاحقة فلا يمكن التقييد اللحاظي ، فإنّ أخذ المتأخّر عن الحكم ـ كالعلم به ـ في رتبة الحكم بعنوان القيد يستلزم الدور الممتنع ، وإذا امتنع التقييد امتنع الإطلاق أيضا ؛ لأنّ التقابل بين الإطلاق والتقييد تقابل العدم والملكة ، ولكن بما أنّ الإهمال في مقام الثبوت غير معقول فلا بدّ إمّا من نتيجة الإطلاق أو من نتيجة التقييد ؛ إذ الملاك الذي يقتضي تشريع الحكم إمّا أن يكون محفوظا في كلتا حالتي الجهل والعلم ، فلا بدّ حينئذ من نتيجة
__________________
(١) فوائد الاصول ٣ : ١١ ـ ١٣.
(٢) آل عمران : ٩٧.