وحاصل كلامه هنا : أنّ الجمع بين اللحاظين المتنافيين يلزم بناء على أن يكون المجعول في باب الأمارات تنزيل مؤدّى الأمارة منزلة الواقع ، وهذا المبنى فاسد في نفسه ، وأمّا على المختار من كون المجعول الشرعي فيه هو الكاشفيّة عن الواقع والوسطيّة في إثباته ، فلا يلزم اجتماع اللحاظين المتنافيين ، أمّا جريان الإشكال على مبنى صاحب الكفاية قدسسره فإنّ تنزيل المؤدّى منزلة الواقع بدليل الحجّية يحتاج إلى اللحاظ الآلي ، وقيام الأمارة مقام القطع الموضوعي الطريقي يحتاج إلى اللحاظ الاستقلالي ، فكيف يمكن لدليل الحجّية بكلام واحد لحاظ عنوان الآليّة والاستقلاليّة للأمارة؟!
وأمّا عدم جريانه على المبنى المختار فإنّ معنى دليل الحجّية أنّ الخبر الواحد محرز للواقع ، أي الواقع يكون محرزا بالخبر الواحد ، والمفروض أنّ الواقع جزء الموضوع وإحرازه جزء آخر ، فيكون الواقع لدى من قامت عنده الأمارة محرزا ، كما كان في صورة العلم ، وبنفس دليل حجّية الأمارة يكون الواقع محرزا ، فتقوم مقام القطع بلا التماس دليل آخر.
وجوابه كما سيأتي : أنّه ليس للشارع في باب الأمارات جعل تأسيسيّ حتّى نبحث عن نوع المجعول ، بل هي مسائل عقلائيّة ، وتمام الملاك فيها بناء العقلاء ، نظير حجّية ظواهر الكتاب والسنّة ، فلا تتحقّق لنا أمارة شرعيّة معتبرة غير العقلائيّة.
ولكنّ صاحب الكفاية قدسسره (١) ذكر في حاشيته على الرسائل وجها آخر لقيام الأمارة مقام القطع الموضوعي الطريقي ، وحاصله : أنّ أدلّة حجّية الأمارات وإن كانت متكفّلة لتنزيل المؤدّى منزلة الواقع فقط ، فلا يكون هناك إلّا لحاظ
__________________
(١) حاشية الرسائل : ٩.