ويستفاد دليل خروج مباحث القطع عن المسائل الاصوليّة ممّا ذكره الشيخ الأعظم الأنصاري قدسسره (١) وهو : أنّ إطلاق الحجّة على القطع ليس كإطلاق الحجّة على الأمارات المعتبرة شرعا ؛ لأنّ الحجّة عبارة عن الوسط الذي به يحتجّ على ثبوت الأكبر للأصغر ، ويصير واسطة للقطع بثبوته له كالتغيّر لإثبات حدوث العالم ، فقولنا : «الظنّ حجّة» يراد به كونه واسطة لإثبات حكم متعلّقه ، فيقال : «هذا مظنون الخمريّة» و «كلّ مظنون الخمريّة يجب الاجتناب عنه» ، وهذا بخلاف القطع ؛ لأنّه إذا قطع بخمريّة شيء فيقال : «هذا خمر» و «كلّ خمر يجب الاجتناب عنه» ولا يقال : إنّ هذا معلوم الخمريّة وكلّ معلوم الخمريّة حكمه كذا ؛ لأنّ أحكام الخمر إنّما تثبت للخمر لا لما علم أنّه خمر.
والحاصل : أنّ كون القطع حجّة غير معقول ؛ لأنّ الحجّة ما يوجب القطع بالمطلوب ، فلا يطلق على نفس القطع. هذا تمام كلامه قدسسره.
وإذا لاحظنا صدر هذا الكلام بدون ذيله يكون قابلا للمناقشة ، فإنّ في مورد قيام البيّنة المعتبرة على خمريّة مائع لا يمكن الالتزام بأنّ كلّ ما قامت البيّنة على خمريّته فهو حرام ؛ إذ الخمر موضوع للحرمة ، لا مظنون الخمريّة ولا مقطوع الخمريّة ، وليس لنا دليل على جعل موضوع الحرمة فيه مظنون الخمريّة ، وبالتالي لا يصحّ هذا البيان.
مع أنّ الحجّة ليست المعنى الذي ذكره قدسسره ، أي ما جعل حدّا وسطا في القياس ، بل هي بمعنى ما يصحّ به الاحتجاج من ناحية المولى في مقابل العبد ، وبالعكس.
__________________
(١) الرسائل : ٢ ـ ٣.