ولعلّه كان ذيل كلام الشيخ الأعظم قدسسره ناظرا إلى عدم انطباق ضابطة المسألة الاصوليّة على أحكام القطع ، وهي أنّ كلّ مسألة وقعت نتيجتها في طريق استنباط الحكم الفرعي فهي مسألة اصوليّة ، وإذا ثبت حجّيّة ظاهر الكتاب ـ مثلا ـ تكون نتيجتها إثبات وجوب صلاة الجمعة ـ مثلا ـ فإنّه ممّا دلّ عليه ظاهر الكتاب ، كقولنا : «وجوب صلاة الجمعة ممّا دلّ عليه ظاهر الكتاب» ـ أي الحجّة ـ و «كلّما دلّ عليه ظاهر الكتاب فهو واجب» فصلاة الجمعة واجبة.
والحاصل : أنّ المسألة الاصوليّة تقع في سلسلة علل استكشاف الحكم الفقهي ، وتكون مقدّمة وطريقا لاستكشافه ، وهذه الخصوصيّة لا تتحقّق في مسائل القطع ، فإنّ متعلّق القطع إمّا يكون نفس الحكم الفقهي كالقطع بوجوب صلاة الجمعة ـ مثلا ـ وإمّا يكون موضوعه وهو ملازم للقطع بحكمه ، فمع القطع بوجوب صلاة الجمعة وخمريّة المائع لا مجال لوقوعه في طريق استنباط الحكم الفرعي ، بل يبحث أنّ مخالفة هذا القطع يوجب استحقاق العقوبة أم لا؟ فمسألة القطع خارجة عن مسائل الفنّ ، والشاهد على ذلك عدم تعرّض القدماء لها في كتبهم الاصوليّة.
ولكنّ استاذنا المرحوم السيّد البروجردي قدسسره (١) كان مصرّا على أنّ مسائل القطع من المباحث الاصوليّة ، وحاصل كلامه قدسسره : أنّ موضوع علم الاصول عبارة عن الحجّة في الفقه ، وهي بمعنى ما يصحّ أن يحتجّ به المولى في مقابل العبد ، وبالعكس ، لا بمعنى الحجّة التي يبحث عنها في المنطق ، أي ما يطلق على القياس ، وموضوع كلّ علم ما يبحث فيه عن عوارضه الذاتيّة ، أي بلا واسطة
__________________
(١) نهاية الاصول : ٣٩٤.