الرسول صلىاللهعليهوآلهوسلم ، فلم تمض أيام معدودة حتى فجع بفقدها ، وهي في فجر الصبا وروعة الشباب ، وقد التاع وحزن على فقدها كأشدّ ما يكون الحزن ، وبقي في أرباض بيته صابرا محتسبا يسامر الهموم والأحزان بمعزل تامّ عن الامّة سياسيا واجتماعيا ، قد خمدت طاقاته ومواهبه وحرمت الامّة من علومه ، لم يشارك الخلفاء في أي أمر من امور الدولة اللهمّ إلاّ إذا ألمّت بهم مسألة لا يهتدون لحلّها فزعوا إليه ليكشف لهم ما جهلوه ، حتى شاعت كلمة عمر : لو لا عليّ لهلك عمر.
ولمّا آلت الخلافة إلى عثمان بن عفّان عميد الاسرة الاموية استبدّ بامور المسلمين ، وارتكب الأحداث الجسام لذا عمد المسلمون إلى قتله ، وهرعوا إلى الإمام عليهالسلام ليتولّى قيادة الامّة ويعيد حكم الرسول صلىاللهعليهوآلهوسلم وسياسته المشرقة بين المسلمين ، فامتنع الإمام من إجابتهم لعلمه بفساد الأوضاع الاجتماعية ، وما سيعانيه من الأزمات والمصاعب ، فأصرّوا عليه وهدّدوه إن لم يستجب لهم ، فأجابهم على كره ، فقام بالأمر باسطا للعدل ناشرا للحقّ ، وبايعته الجماهير ، وعمّت الفرحة الكبرى جميع الأوساط إلاّ الاسر القرشيّة ، فقد فزعت كأشدّ ما يكون الفزع ، فقد خافت عل مصالحها ونفوذها الذي ظفرت به في أيام الخلفاء ، فهبّت للإطاحة بحكومة الإمام ، فكانت واقعة الجمل وصفّين ، ثمّ تتابعت عليه الرزايا والخطوب ، وهو صابر يحتسب حتى لاقى ربّه شهيدا محتسبا في بيت من بيوت الله ، فأي صبر وأي بلاء مثل هذا الصبر والبلاء؟
من ذاتيات الإمام عليهالسلام ونزعاته التواضع ، ولكن لا للأغنياء والمتكبّرين ، وإنّما للفقراء والمستضعفين ، فكان يخفض لهم جناح البرّ والمودّة ، وقد ضارع بذلك أخاه وابن عمّه الرسول صلىاللهعليهوآلهوسلم ، فقد كان للمؤمنين أبا وللفقراء أخا ..
ونعرض فيما يلي لبعض ما اثر عن الإمام عليهالسلام.