بنصرة الرسول والوقوف إلى جانبه ، وحمايته من كيد القرشيّين وبطشهم وأخذ المرض يزداد فيه حتى وافته المنيّة في شهر شوّال أو في ذي القعدة ، وذلك بعد خروج النبيّ من الشعب (١).
لقد انتقل هذا العملاق إلى حضيرة القدس بعد ما أدّى ما عليه من جهد في نصرة الإسلام والذبّ عن الرسول صلىاللهعليهوآلهوسلم ، ولمّا اذيع نبأ وفاته اهتزّت مكّة من هول الفاجعة ، فتصدّعت القلوب ، وغامت العيون كما فرح الطغاة والجبابرة بموته.
وسارع الإمام أمير المؤمنين عليهالسلام فغسّل جسد أبيه الطاهر وأدرجه في أكفانه ، وقد ذابت نفسه عليه حزنا وأسى ، وهرعت الجماهير إلى دار أبي طالب فحملوا الجثمان المقدّس بمزيد من الحفاوة والتكريم ، وواروه في مقرّه الأخير ، وقد واروا معه الشرف والإيمان.
لقد انطوت حياة هذا المجاهد العظيم الذي وهب حياته لله تعالى ، فنصر الإسلام ، وقاوم الشرك ، وقارع الباطل ، فسلام الله عليه ، فما أعظم عائدته على الإسلام والمسلمين!
ووقف النبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم على حافّة قبر عمّه ، وهو واجم حزين ، قد روى ثرى قبره بدموعه ، وأخذ يصوغ من حزنه كلمات في تأبينه قائلا :
« وصلتك رحم يا عمّ ، جزيت خيرا ، فلقد ربّيت وكفلت صغيرا ، وآزرت ونصرت كبيرا ، أما والله يا عمّ لأستغفرنّ لك ، وأشفعنّ فيك شفاعة يعجب منها الثّقلان ... » (٢).
__________________
(١) الكامل في التاريخ ـ ابن الأثير ٢ : ٣٤.
(٢) أبو طالب وبنوه : ١٠٣.