طلب معاوية من ضرار أن يصف له الإمام لأنّه كان من أخلص أحبّائه ، فامتنع ضرار خوفا من معاوية إلاّ أنّه أصرّ عليه ، فقال له :
كان والله! بعيد المدى ، شديد القوى ، يقول فصلا ، ويحكم عدلا ، يتفجّر العلم من جوانبه ، وتنطق الحكمة من لسانه ، يستوحش من الدنيا وزخرفها ، ويستأنس بالليل ووحشته ، وكان غزير الدمعة ، طويل الفكرة ، يعجبه من اللباس ما خشن ، ومن الطعام ما جشب ، وكان فينا كأحدنا ، يجيبنا إذا سألناه ، وينبئنا إذا استنبأناه ، ونحن ـ والله! ـ مع تقرّبه لنا وقربه منّا لا نكاد نكلّمه هيبة له ، يعظّم أهل الدين ، ويقرّب المساكين ، لا يطمع القويّ في باطله ، ولا ييأس الضعيف من عدله ، وإنّي أشهد بالله لقد رأيته في بعض مواقفه ـ وقد أرخى الليل سدوله وغارت نجومه ـ قابضا على لحيته يتململ تململ السليم ويبكي بكاء الحزين وهو يقول :
« يا دنيا غرّي غيري ، إليّ تعرّضت أم إليّ تشوّقت؟ هيهات هيهات ، قد باينتك ثلاثا (١) لا رجعة فيها ، فعمرك قصير ، وخطرك كبير ، وعيشك حقير ، آه! من قلّة الزّاد ، وبعد السّفر ، ووحشة الطّريق ».
وأثرت هذه الكلمات في نفس معاوية ، فقال : رحم الله أبا الحسن كان والله كذلك ... (٢).
وحكت هذه الكلمات بعض الصفات الروحية التي تميّز بها الإمام أمير المؤمنين عليهالسلام والتي هي مبعث إعجاب وإكبار حتى عند ألدّ أعدائه وخصومه.
__________________
(١) باينتك : أي طلّقتك طلاقا بائنا.
(٢) الاستيعاب ٣ : ١٠٧. حلية الأولياء ١ : ٨٤. الرياض النضرة ٢ : ٢١٢.