اتّهموه بذلك حينما كان يتلو عليهم كتاب الله تعالى البالغ حد الاعجاز في بلاغته وفصاحته ، وما كان يلقيه عليهم من روائع الحكم والآداب التي تأخذ بمجامع العقول والنفوس ، بالاضافة إلى ما كان يريهم من آيات معجزاته التي أمدّه الله تعالى بها لتصديقه ، وإيمان الناس به ، وقد باءت هذه التهمة بالفشل ، ولم تلق أي اذن صاغية لها.
وصبّ القرشيّون جام غضبهم على من آمن بالرسول صلىاللهعليهوآلهوسلم من أبنائهم ونسائهم وأرقّائهم والمستضعفين منهم ، فقد نكّلوا بهم كأقسى وأفظع ما يكون التنكيل ، فقد عذّبوا ياسرا وسميّة وعمّارا عذابا منكرا وأليما ، وكان النبيّ يجتاز عليهم فيراهم يئنّون تحت وطأة التعذيب فتتقطّع أنياط قلبه عليهم ألما ، فقال فيهم كلمته الخالدة التي كانت وسام شرف وفخر لهذه الاسرة الكريمة في جميع الأحقاب والآباد : « صبرا آل ياسر إنّ موعدكم الجنّة ». واستشهد ياسر ، واستشهدت معه سميّة بأيدي جبابرة قريش ، ونجا الصحابي العظيم عمّار بعد ما عذّب.
وقد عانى المؤمنون من الرجال والنساء جميع صنوف التعذيب والاضطهاد والتنكيل ممّا اضطرّهم إلى الهجرة من وطنهم مكّة إلى الحبشة ، وكان فيهم جعفر الطيّار ، وقد لاحقتهم قريش لإرجاعهم إلى مكّة لتصفيتهم جسديا إلاّ أنّ ملك الحبشة لم يستجب لهم وأبقاهم في بلده ولم يعرض لهم أحد بمكروه.
وأجمع رأي وجوه القرشيّين وساداتهم على حبس النبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم وأهل بيته في شعب أبي طالب ، وفرض الإقامة الجبرية عليهم حتى لا يختلطوا بالناس فيغيّروا