إنّ الإمام عليهالسلام كان من ألصق الناس برسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم ومن أكثرهم تطبّعا بأخلاقه وفهما لرسالته ، ولمّا أعلن النبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم ثورته الكبرى على الأفكار الجاهلية وعاداتها ، كان الإمام في فجر الصبا يذبّ عنه ، ويحميه من صبيان قريش الذين كانوا يحاربونه بالحجارة ويقذفونه بالتراب ، ويصيحون وراءه ساحر ومجنون ، وكان الإمام عليهالسلام يوقع بهم الضرب واللكم فينهزمون إلى امّهاتهم وآبائهم وكان ذلك أوّل جهاد له في سبيل الإسلام.
وقد تحدّث الإمام عليهالسلام عن تلك الفترة الذهبية التي عاشها في رعاية النبيّ وما لاقاه من صنوف الحفاوة والتكريم فقال :
« وقد علمتم موضعي من رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم بالقرابة القريبة ، والمنزلة الخصيصة. وضعني في حجره وأنا وليد ، يضمّني إلى صدره ، ويكنفني في فراشه ، ويمسّني جسده ، ويشمّني عرفه. وكان يمضغ الشّيء ثمّ يلقمنيه ، وما وجد لي كذبة في قول ، ولا خطلة في فعل. وكنت أتّبعه اتّباع الفصيل أثر امّه ، يرفع لي في كلّ يوم من أخلاقه علما ، ويأمرني بالاقتداء به » (١).
ارأيتم كيف أخلص له النبيّ في الحبّ والمودّة والرعاية؟ فقد أغدق عليه بعطفه وحنانه ، وغذّاه بسموّ أخلاقه وآدابه ليكون صورة عنه وممثّلا له في حياته وبعد وفاته.
عنى النبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم عناية بالغة بتربية أخيه وابن عمّه الإمام عليهالسلام فغرس في أعماق ذاته صفاته الكريمة ونزعاته الشريفة حتى يحكي طباعه واتّجاهاته ويقيمه من بعده
__________________
(١) نهج البلاغة ، الخطبة ١٩٢.