رووا أنّه حينما كان في أشدّ الأهوال وأعنفها في صفّين كان يقيم الصلاة في وسط المعركة وسهام الأعداء تأخذه يمينا وشمالا ، وهو غير حافل بها لأنّ مشاعره وعواطفه قد تعلّقت بالله تعالى (١). وكان الإمام زين العابدين وسيّد الساجدين عليّ ابن الحسين عليهالسلام إذا أخذ كتاب عليّ ونظر ما فيه من عبادته قال : من يطيق هذا ، خصوصا في حال صلاته فإنّه يتغيّر لونه. وما أطاق أحد أن يعمل مثل عبادته إلاّ عليّ بن الحسين عليهالسلام (٢).
وقد روى أبو جعفر ، قال : دخلت على أبي عليّ بن الحسين فإذا هو قد بلغ من العبادة ما لم يبلغه أحد ، قد اصفرّ لونه من السهر ، ورمضت عيناه من البكاء ، ودبرت جبهته ، وانخرم أنفه من السجود ، وورمت ساقاه وقدماه من الصلاة ، قال أبو جعفر : فلم أملك نفسي حين رأيته بتلك الحالة وهو يبكي فبكيت رحمة له ، فالتفت إليّ فقال : أعطني بعض تلك الصحف التي فيها عبادة عليّ بن أبي طالب فأعطيته فقرأ فيها شيئا يسيرا ، ثمّ تركها من يده تضجّرا ، وقال : من يقوى على عبادة عليّ بن أبي طالب (٣).
وظاهرة اخرى من نزعات الإمام عليهالسلام وذاتياته العصمة من كلّ إثم ورجس ، فلم يقترف ـ بإجماع المؤرّخين ـ أي ذنب أو خطيئة ، ولم يشذّ عن سنّة رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم في هديه وسلوكه ، وقد حاول ابن عوف بعد اغتيال عمر أن يقلّده الخلافة وشرط عليه أن يسير بسيرة الشيخين في حكومته فأبى وامتنع ، وأصرّ على متابعة الكتاب والسنّة ، ولو كان من عشّاق الملك وهواة السلطان لأجاب إلى ذلك ، ولمّا أصر عليه الخوارج أن يعلن التوبة لينضمّوا تحت لوائه فأبى لأنّهم هم الذين اقترفوا
__________________
(١) وقعة صفّين : ١٣٣.
(٢) روضة الكافي : ١٩٥. الوسائل ١ : ٦٣.
(٣) الإرشاد : ٢٧١. بحار الأنوار ٣٧ : ١٧. وسائل الشيعة ١ : ٦٨.