لي عليك ». ثمّ يقول : « آه آه لبعد السّفر ، وقلّة الزّاد ، وخشونة الطّريق » وتأثّر معاوية وقال : حسبك يا ضرار ، كذلك والله كان عليّ (١).
وروى نوف شدّة خشيته من الله تعالى ، قال : بتّ ليلة عند أمير المؤمنين عليهالسلام فكان يصلّي الليل كلّه ، ويخرج ساعة بعد ساعة ، فينظر إلى السماء ، ويتلو القرآن ، قال : فمرّ بي بعد هدء من الليل فقال :
« يا نوف ، أراقد أنت أم رامق؟ ».
بل رامق أرمقك ببصري يا أمير المؤمنين.
فالتفت إليه الإمام وهو يقول بصوت خافت :
« يا نوف ، طوبى للزّاهدين في الدّنيا ، الرّاغبين في الآخرة ، اولئك الّذين اتّخذوا الأرض بساطا ، وترابها فراشا ، وماءها طيبا ، والقرآن دثارا ، والدّعاء شعارا ، وقرضوا من الدّنيا تقريضا ، على منهاج عيسى بن مريم. إنّ الله عزّ وجلّ أوحى إلى عيسى بن مريم : قل للملإ من بني إسرائيل : لا يدخلوا بيتا من بيوتي إلاّ بقلوب طاهرة ، وأبصار خاشعة ، وأكفّ نقيّة ، وقل لهم : اعلموا إنّي غير مستجيب لأحد منكم دعوة من خلقي في قلبه مظلمة ... » (٢).
إنّ هذه الإنابة تبهر العقول ، إنّها إنابة العارفين بالله تعالى الذين ملئت نفوسهم إيمانا وخشية وإخلاصا لله تعالى ، ولا شكّ في أنّ الإمام عليهالسلام هو إمام المتّقين وسيّد العارفين الذي غذّاه النبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم بإيمانه وتقواه ، فصار صورة صادقة عنه.
وقد روى المؤرّخون صورا مذهلة عن خشية الإمام وإنابته إلى الله تعالى ، فقد
__________________
(١) بحار الأنوار ٤١ : ١٥. أمالي الصدوق : ٣٧١.
(٢) بحار الأنوار ٤١ : ١٦. الخصال ١ : ١٦٤.