« هي والله يا أبا الدرداء الغشية التي تأخذه من خشية الله ... ».
ثمّ أتوه بماء فنضحوه على وجهه فأفاق ، ونظر إليّ وأنا أبكي فقال لي :
« ممّ بكاؤك يا أبا الدّرداء؟ ».
ـ ممّا أراه تنزله بنفسك.
فأجابه الإمام وهو غارق بالخشية من الله قائلا :
« يا أبا الدّرداء ، كيف لو رأيتني وقد دعي بي إلى الحساب ، وأيقن أهل الجرائم بالعذاب ، واحتوشتني ملائكة غلاظ ، وزبانية فظاظ ، فوقفت بين يدي الملك الجبّار ، قد أسلمني الأحياء ، ورحمني أهل الدّنيا ، لكنت أشدّ رحمة لي بين يدي من لا تخفى عليه خافية ... ».
وبهر أبو الدرداء ممّا رآه من إنابة الإمام وخشيته من الله تعالى وراح يقول : والله ما رأيت ذلك لأحد من أصحاب رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم (١).
ارأيتم هذا الإيمان الذي يمثّل التقوى والخشية من الله تعالى؟ لقد كان هذا الإمام العظيم في جميع فترات حياته قد تعلّق قلبه وفكره بالله تعالى ، وسعى لكلّ ما يقرّبه إليه زلفى. وممّا قاله ضرار لمعاوية في وصفه للإمام :
ولو رأيته في محرابه ، وقد أرخى الليل سدوله وغارت نجومه وهو قابض على لحيته يتململ تململ السليم (٢) ويبكي بكاء الحزين ، وهو يقول : « يا دنيا ، إليّ تعرّضت أم إليّ تشوّقت؟ هيهات هيهات ، لا حاجة لي فيك ، أبنتك ثلاثا (٣) لا رجعة
__________________
(١) أمالي الصدوق ٤٨ ـ ٤٩. بحار الأنوار ٤١ : ١١ ـ ١٢.
(٢) السليم : من لدغته الحيّة.
(٣) باينتك : أي طلّقتك طلاقا بائنا.