وظلّ الإمام راقدا في فراش النبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم ، ولمّا اندلع نور الصبح هجم الطغاة شاهرين سيوفهم على سرير النبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم ، فطلع منه الإمام أمير المؤمنين عليهالسلام كالأسد الضاري شاهرا سيفه ، فلمّا رأوه ذهلوا وجبنوا ، وصاحوا به :
أين محمّد؟
فقابلهم الإمام بعنف قائلا :
« جعلتموني حارسا عليه؟ ».
ونكصوا على أعقابهم يجرّون رداء الخيبة والخسران ، فقد فلت من قبضتهم الرسول صلىاللهعليهوآلهوسلم الذي جاء ليحرّرهم من ويلات الجاهلية وخرافاتها.
وحقدت قريش على الإمام كأشدّ ما يكون الحقد ، ورمته بنظرات حادّة ، فقد أفلت منها بسببه محمّد ، وصفعها الإمام بتلك الصفعة المذلّة ، وتحدّاها واستخفّ بها ، وجعل يغدو ويروح أمامها ساخرا ومستهزئا بها.
وغادر النبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم مكّة ميمّما وجهه صوب يثرب ، وقد أنجاه الله من شرّ اولئك الوحوش الكاسرة الذين اترعت نفوسهم بالآثام والرذائل ، وصادفه في الطريق أبو بكر فصحبه ، وسار معه حتى انتهيا إلى جبل ثور (١) ، وفي أعلاه غار فدخلا فيه ، وأقاما فيه ثلاثة أيام ، وأرسل الله تعالى زوجا من الحمام فباضا في مدخله ، وأوحى الله تعالى إلى العنكبوت فنسجت بيتا لها فيه ، وخفّت قريش مسرعة في طلب النبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم ، يتقدّمهم سراقة بن مالك ، وكان عالما بصيرا بمعرفة الأثر ، فانتهى إلى باب الغار فرأى البيض وبيت العنكبوت ، فقال : لو دخله أحد
__________________
(١) جبل ثور : يقع في يمين مكّة على مسيرة ساعة ـ الكشّاف ٢ : ٢١٣.