لا ماء لهم ، فقال أصحاب الإمام له : امنعهم الماء يا أمير المؤمنين كما منعوك ، ولا تسقهم منه قطرة واحدة ، واقتلهم بسيوف العطش ، وخذهم قبضا بالأيدي ، فلا حاجة لك في الحرب ، فقال :
« لا والله لا اكافئهم بمثل فعلهم ، افسحوا لهم عن الشّريعة ففي حدّ السّيف ما يغني عن ذلك » (١).
٦ ـ ومن عظيم عفوه أنّه في يوم من أيام صفّين ظفر بأعدى أعدائه وهو عمرو ابن العاص العقل المدبّر في حكومة معاوية ، فلمّا رأى هذا الجبان الماكر أنّ الإمام قد أقبل عليه بسيفه أخرج عورته ، فخجل الإمام وأشاح بوجهه عنه ترفّعا.
من أبرز صفات الإمام عليهالسلام الخلود إلى الصبر ، وعدم الجزع على ما ألمّ به من محن الدنيا ، وكوارث الأيام ، وكان من أشدّها هولا ، وأعظمها محنة فقده لأخيه وابن عمّه الذي عاش في ذرى عطفه سيّد الكائنات الرسول الأعظم صلىاللهعليهوآلهوسلم ، لقد فقد بموته كلّ أمل له في الحياة ، وطافت به الأزمات يتبع بعضها بعضا ، وكان من أفجعها وأقساها وأشدّها بلاء هجوم القوم عليه في عقر داره ، وإخراجه ملبّبا بحمائل سيفه ليبايع أبا بكر ، وقوبل بمنتهى الصرامة والقسوة ، وتنكّر القوم لمركزه الرفيع ، وعظيم جهاده في الإسلام ، وأنّه أخو نبيّهم ، وأبو سبطيه ، وباب مدينة علمه ، فأقصوه عن مقامه ، واستعملوا معه جميع ألوان الشدّة التي سنذكرها في فصول هذا الكتاب.
ومن المحن الشاقّة التي عاناها الإمام فقده لسيّدة نساء العالمين زهراء
__________________
(١) شرح نهج البلاغة ـ ابن أبي الحديد ١ : ٢٤.