٤ ـ وكان من عظيم حلمه أنّه ظفر بعائشة بعد فشلها في حرب الجمل ، وهي من ألدّ أعدائه ، ومعها مروان بن الحكم ، وعبد الله بن الزبير ، وغيرهما من الحاقدين عليه ، الذين أشعلوا نار الحرب ، وأعلنوا التمرّد والعصيان المسلّح على حكومته ، فعفا عنهم جميعا ، وسرّح عائشة سراحا جميلا ، وجهّزها جهازا حسنا. وهكذا كانت سيرته الصفح والإحسان ليقلع نزعات الحقد والشرّ من نفوسهم.
يقول ابن أبي الحديد عن حلم الإمام :
وأمّا الحلم والصفح فكان أحلم الناس عن مذنب ، وأصفحهم عن مسيء ، وقد ظهر حجّة ما قلناه يوم الجمل حيث ظفر بمروان بن الحكم وكان من أعدى الناس ، وأشدّهم بغضا له ، فصفح عنه.
وكان عبد الله بن الزبير يشتمه على رءوس الأشهاد ، وخطب يوم البصرة فقال : قد أتاكم الوغد اللئيم عليّ بن أبي طالب ، وكان عليّ يقول :
« ما زال الزّبير رجلا منّا أهل البيت حتّى شبّ عبد الله » ، فلمّا ظفر به يوم الجمل صفح عنه ، وقال له : « اذهب فلا أرينّك » ولم يزد على ذلك.
وظفر بسعيد بن العاص بعد وقعة الجمل بمكّة ، وكان له عدوّا فأعرض عنه ، ولم يقل له شيئا (١).
ومن عظيم حلمه وصفحه أنّ معاوية لمّا زحف لحرب الإمام واستولى على الماء اعتبر ذلك أوّل الظفر ، فلمّا جاء الإمام مع جيشه وجد حوض الفرات قد احتلّته جيوش معاوية ، فطلب منهم أن يسمحوا لجيشه بالتزوّد من الماء ، فقالوا له : لا والله ولا قطرة حتى تموت ظمأ كما مات ابن عفّان ، فلمّا رأى ذلك أمر جيشه باحتلال الفرات ، فاحتلّته قوّاته وملكوا الماء ، وسار أصحاب معاوية في البيداء
__________________
(١) شرح نهج البلاغة ـ ابن أبي الحديد ١ : ٢٣.