إنّ العدل بجميع رحابه ومفاهيمه من العناصر الذاتية للإمام عليهالسلام.
٤ ـ روى هارون بن عنترة عن أبيه ، قال : رأيت عليّا في يوم مورود ـ أو نوروز ـ فجاء قنبر فأخذ بيده وقال : يا أمير المؤمنين ، إنّك رجل لا تبقي شيئا لنفسك ، ولا لأهل بيتك ، وإنّ لأهل بيتك في هذا المال نصيبا ، وقد خبّأت لك خبيئة. قال الإمام : « وما هي؟ » قال : انطلق وانظر ما هي؟ فأدخله بيتا مملوءا آنية من ذهب وفضّة مموّهة بالذهب ، فلمّا رآها تميّز غيظا وغضبا ، وقال بشدّة وصراحة لقنبر : « ثكلتك امّك ، لقد أردت أن تدخل بيتي نارا عظيمة » ، ثمّ جعل يزنها ويعطي كلّ عريف حصّته ، ثمّ قال :
هذا جناي وخياره
فيه |
|
و كلّ جان يده
إلى فيه (١) |
أرأيتم هذا العدل الذي مثّله الإمام في أيام خلافته؟
أرأيتم هذا التجرّد عن الدنيا والتنكّر لمنافعها؟
أرأيتم كيف احتاط إمام المتّقين بأموال الدولة ولم يستأثر بأيّ شيء منها؟
إنّ الإنسانية على ما جرّبت من تجارب في ميادين الحاكمين فإنّها لم تشاهد مثل الإمام عليهالسلام في عدله ونكرانه للذات ، وتبنّيه للعدل بجميع رحابه ومفاهيمه.
وأجمع الرواة على اختلاف ميولهم وأهوائهم على أنّ الإمام عليهالسلام أوسع المسلمين علما ، وأكثرهم فقها ، وأنّه لا يماثله أحد من الصحابة وغيرهم في قدراته العلمية ، فقد غذّاه سيّد الكائنات صلىاللهعليهوآلهوسلم بملكاته ومواهبه ، فهو باب مدينة علمه ،
__________________
(١) جواهر المطالب ١ : ٢٧٣. كتاب الأموال : ٣٤٤.