كأشدّ ما يكون الاحتياط في أموال الدولة ، فلم يؤثر بشيء منها نفسه وأهل بيته ، وحمّل نفسه رهقا وشدّة.
٢ ـ ومن صنوف عدله الباهر أنّه نزل ضيف عند الإمام الحسن عليهالسلام ، فاستقرض رطلا من العسل من قنبر خازن بيت المال ، فلمّا قام الإمام بتقسيم العسل على المسلمين وجد زقّا منها ناقصا ، فسأل قنبر عن ذلك ، فأخبره بالأمر ، فاستدعى ولده الإمام الحسن وقال له بنبرات تقطر غيظا :
« ما حملك على أن تأخذ منه قبل القسمة؟ ».
« أليس لنا فيه حقّ ، فإذا أخذناه رددناه إليه ».
وسكن غضب الإمام ، فقال لولده الزكي بلطف :
« فداك أبوك ، وإن كان لك فيه حقّ ، فليس لك أن تنتفع بحقّك قبل أن ينتفع المسلمون بحقوقهم ».
ثمّ دفع إلى قنبر درهما ، وقال له : اشتر به أجود عسل تقدر عليه ، فاشترى قنبر العسل ، ووضعه الإمام في الزقّ وشدّه » (١).
هذا هو العدل الذي جعله الإمام عليهالسلام أساسا لدولته ليسير عليها حكّام المسلمين من بعده إلاّ أنّهم شذّوا وابتعدوا عن سيرته ، وناقضوه ، فأنفقوا أموال المسلمين على شهواتهم وملذّاتهم ، وأسرفوا في ذلك إلى حدّ بعيد.
٣ ـ جيء له بمال من أصفهان فقسّمه أسباعا على أهل الكوفة ، ووجد فيها رغيفا فكسره سبعة كسر ، وقسّمه على أهل الأسباع (٢).
__________________
(١) المناقب ٢ : ١٠٧.
(٢) بحار الأنوار ٤١ : ١١٨.