وبلغ من تأثّر النبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم وشدّة حزنه على عمّه أنّه سمّى العام الذي توفّي فيه « عام الحزن ».
وقد فقد النبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم المحامي والناصر ، والركن الشديد الذي كان يأوي إليه ، فقد استوحدته قريش وأجمعت على التنكيل به وقال : « ما نالت قريش شيئا أكرهه حتّى مات أبو طالب » (١). وقد بالغت قريش في إيذائه ، فجعلوا ينثرون التراب على رأسه ، وطرح بعضهم عليه رحم الشاة وهو يصلّي ... إلى غير ذلك من صنوف الاعتداء عليه (٢) ، وقد أجمعوا على قتله ، فخرج في غليس الليل البهيم بعد ما أحاطوا بداره ميمّما وجهه تجاه يثرب ، وترك أخاه ووصيّه الإمام في فراشه كما سنعرض لذلك في البحوث الآتية.
وعلى أي حال فأبو طالب حامي الإسلام وناصره ، والمساهم الأوّل في إقامة دعائمه ، فله اليد البيضاء على كلّ مسلم ومسلمة ، فما أعظم عائدته على الإسلام! ومن سخف القول إنّ هذا المجاهد العظيم مات كافرا ولم يكن يدين بدين الإسلام ، فإنّ هذا البهتان من صنع الأمويّين والعبّاسيّين الحاقدين على الاسرة النبوية ، وممّا يدعم زيف ذلك شدّة حزن النبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم عليه بعد وفاته وتسميته لعام موته بعام الحزن ، فإنّه إذا كان كافرا كيف يحزن عليه؟ وكيف يترحّم عليه ويذكره بمزيد من التكريم والتعظيم؟ وكيف يأكل ويشرب في داره؟ وحكم الإسلام صريح واضح في نجاسة الكافر؟ وكيف يكون هذا المؤمن المجاهد في النار وابنه الإمام أمير المؤمنين عليهالسلام قسيم الجنّة والنار؟
إنّ من المآثر والفضائل والأوسمة الشريفة التي يتحلّى بها الإمام عليهالسلام أنّه نجل هذا المجاهد العظيم الذي حمى الإسلام في أيام محنته وغربته فجزاه الله عن
__________________
(١) و (٢) الكامل ٢ : ٣٤.