تحت تصرّف الموجودات في عالم التكوين (الخلقة) أنّ يغضّ النظر عن إرسال الأنبياء عليهمالسلام والدور المهمّ لهذه البعثة في طريق تكامل النوع البشري وتحقيق الهدف من حياته في كافّة أبعادها الماديّة والمعنوية كما تقدّم ويحرم المجتمع الإنساني من هذه الموهبة العظيمة؟!
أشار الشيخ الرئيس ابن سينا في كتابـ «الشفاء» إلى هذه الحقيقة بعبارة مختصرة وتمثيل رائع حيث قال :
«فحاجة الإنسان إلى هذا «بَعْثِ الرُّسُلِ» في أن يبقى نوع الإنسان ويتحصّل وجوده ، أشدّ من الحاجة إلى انبات الشعر على الحاجبين وتقعير الأخمس من القدمين وأشياء اخرى من المنافع التي لا ضرورة فيها في البقاء ... فلا يجوز أن تكون العناية الأزلية وتقتضي تلك المنافع ولا تقتضي هذه التي هي اسّها» (١).
وقد بيّن هشام بن الحكم التلميذ المعروف للإمام الصادق عليهالسلام هذا الاستدلال بشكل آخر لـ «عمرو بن عبيد» العالم السنّي المعروف وقد سبق ابن سينا بذلك ، ومن جملة ما ذكر في هذه المحاورة : «.. قلت : ـ لابدّ من القلب وإلّا لم تستيقن الجوارح؟ قال : نعم. فقلت له : ياأبا مروان فالله تبارك وتعالى لم يترك جوارحك حتّى جعل لها إماماً يصحّح لها الصحيح ويتيقّن به ما شكّ فيه ، ويترك هذا الخلق كلّهم في حيرتهم وشكّهم واختلافهم ، لا يقيم لهم إماماً يردّون إليه شكّهم وحيرتهم ويقيم لك إماماً لجوارحك تردّ إليه حيرتك وشكّك؟! قال : فسكت ولم يقل لي شيئاً» (٢).
* * *
ج) التربية العلمية
الطريق الثالث الذي يمكننا أن نستفيد منه للحصول على تحليل منطقي لمسألة علّة إرسال الرسل ، هو أن تربية الإنسان لها بعد علمي قبل أن يكون لها بعد وجانب عملي.
__________________
(١) الشفاء ، الإلهيات ، المقال ١٠ ، الفصل ٢ ، ص ٤٤١.
(٢) اصول الكافي ، ج ١ ، ص ١٦٩ ، كتاب الحجّة ، باب الإضطرار إلى الحجّة ، ح ٣.