٤ ـ حريّة الإنسان
واشير في الآية الخامسة إلى بُعد آخر من أبعاد فلسفة بعثة الأنبياء عليهمالسلام ، ألا وهو نجاة الإنسان من مخالب الأسر والاستبداد ، يقول تعالى : (الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِىَّ الْأُمِّىَّ الَّذِى يَجِدُونَهُ مَكْتُوباً عِنْدَهُمْ فِى التَّوْرَاةِ وَالْإِنجِيلِ يَأْمُرُهُمْ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَاهُمْ عَنِ الْمُنكَرِ وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَائِثَ وَيَضَعُ عَنْهُمْ إِصْرَهُمْ وَالْأَغْلَالَ الَّتِى كَانَتْ عَلَيْهِمْ).
إنّ القرآن الكريم يقيم عدّة أدلّة على أحقيّة النبي الأكرم صلىاللهعليهوآله بذكره لهذه الأوصاف :
الأوّل : كونه اميّاً ، فهل يمكن عرض كتاب كهذا أو علوم كهذه من قبل شخص لم يحضر حلقات الدرس.
والثاني : هو شهادة الأنبياء عليهمالسلام السابقين على حقانية نبوته.
والثالث : إنسجام تعليماته مع أوامر العقل والوجدان (إذ يستحيل إيجاد مذهب ورسالة لها مثل هذا الإنسجام مع حكم العقل والوجدان ، والدعوة إلى الإحسان والنهي عن السيّئات والتوجّه نحو الفضائل وترك الرذائل في محيط مليء بالخرافات والجهل والجاهلية والفظاظة).
والدليل الرابع : بيان حريّة الإنسان والسعي لإنقاذه من مخالب الأسر فطالما كبّل الحكّام الماديّون الإنسان بالأغلال والقيود لتقوية مكانتهم ، وأجازوا أنواع العذاب في حقّه ، بل قد سلبوا حرّيته باسم الحرية ، ولم تكن هناك مدرسة تنادي بخلاص الإنسان من ظلم الطواغيت وتحريره سوى مدرسة الأنبياء عليهمالسلام.
والجدير بالذكر هو أنّ كلمة «إصر» على وزن «مِصْر» التي تعني عقد الشيء وحبسه وقهره على حدّ قول الراغب في مفرداته وقد فسّرها البعض بالحبس المؤكّد أيضاً ، ثمّ استعملت في لوازم هذا المعنى (١) (مثل العهد والميثاق وثقل الذنوب والحبل الذي تربط به الخيام وأمثال ذلك) وجاءت هنا كناية عن أنواع القيود التي تُثقل كاهل الإنسان.
__________________
(١) مفردات الراغب ؛ ومقاييس اللغة ؛ والتحقيق في كلمات القرآن الكريم.