الشقاوة الأبدية عليهم (أَخْرَجْنا لَهُمْ دَابَّةً) من صورة نفس كل شقيّ مختلفة الهيئات والأشكال هائلة ، بعيدة النسبة بين أطرافها وجوارحها على ما ذكر من قصتها بحسب تفاوت أخلاقها وملكاتها من أرض البدن قدّام القيامة الصغرى التي هي من أشراطها (تُكَلِّمُهُمْ) بلسان حياتها وصفاتها (أَنَّ النَّاسَ كانُوا بِآياتِنا) قدرتنا على البعث (لا يُوقِنُونَ). (وَيَوْمَ يُنْفَخُ فِي الصُّورِ) النفخة الأولى نفخة الإماتة في القيامة الصغرى (فَفَزِعَ مَنْ فِي السَّماواتِ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ) من العقلاء المجرّدين والجهال البدنيين ، أو من القوى الروحانية والجسمانية (إِلَّا مَنْ شاءَ اللهُ) من الموحدين الفانين في الله ، والشهداء القائمين بالله (وَكُلٌّ أَتَوْهُ) إلى المحشر للبعث ، صاغرين ، أذلاء ، لا قدرة لهم ولا اختيار ، أو أتوه منقادين قابلين لحكمه بالموت.
[٨٨ ـ ٩٠] (وَتَرَى الْجِبالَ تَحْسَبُها جامِدَةً وَهِيَ تَمُرُّ مَرَّ السَّحابِ صُنْعَ اللهِ الَّذِي أَتْقَنَ كُلَّ شَيْءٍ إِنَّهُ خَبِيرٌ بِما تَفْعَلُونَ (٨٨) مَنْ جاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ خَيْرٌ مِنْها وَهُمْ مِنْ فَزَعٍ يَوْمَئِذٍ آمِنُونَ (٨٩) وَمَنْ جاءَ بِالسَّيِّئَةِ فَكُبَّتْ وُجُوهُهُمْ فِي النَّارِ هَلْ تُجْزَوْنَ إِلاَّ ما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (٩٠))
(وَتَرَى) جبال الأبدان (تَحْسَبُها جامِدَةً) ثابتة في مكانها (وَهِيَ تَمُرُّ) وتذهب وتتلاشى بالتحليل كالسحاب لتجتمع أجزاؤها عند البعث في اليوم الطويل (صُنْعَ اللهِ) أي : صنع هذا النفخ والإماتة والإحياء لمجازاة العباد بالأعمال صنعا متقنا يليق به (إِنَّهُ خَبِيرٌ بِما تَفْعَلُونَ مَنْ جاءَ بِالْحَسَنَةِ) أي : بمحو صفة من صفات نفسه بالتوبة إلى الله عنها من قيام صفة إلهية مقامها.
(وَمَنْ جاءَ بِالسَّيِّئَةِ) باحتجابه بصفة من صفات نفسه (فَكُبَّتْ وُجُوهُهُمْ) بتنكيس بنائهم لشدّة ميلهم إلى الجهة السفلية في نار الطبيعة (هَلْ تُجْزَوْنَ) إلا بصور أعمالكم وجعل هيئاتها صوركم.
[٩١ ـ ٩٣] (إِنَّما أُمِرْتُ أَنْ أَعْبُدَ رَبَّ هذِهِ الْبَلْدَةِ الَّذِي حَرَّمَها وَلَهُ كُلُّ شَيْءٍ وَأُمِرْتُ أَنْ أَكُونَ مِنَ الْمُسْلِمِينَ (٩١) وَأَنْ أَتْلُوَا الْقُرْآنَ فَمَنِ اهْتَدى فَإِنَّما يَهْتَدِي لِنَفْسِهِ وَمَنْ ضَلَّ فَقُلْ إِنَّما أَنَا مِنَ الْمُنْذِرِينَ (٩٢) وَقُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ سَيُرِيكُمْ آياتِهِ فَتَعْرِفُونَها وَما رَبُّكَ بِغافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ (٩٣))
(إِنَّما أُمِرْتُ أَنْ) لا ألتفت إلى غير الحق و (أَعْبُدَ رَبَّ هذِهِ الْبَلْدَةِ) أي : القلب (الَّذِي حَرَّمَها) حماها عن استيلاء صفات النفس ومنعها من دخول أهل الرجس وآمنها وآمن من فيها لئلا ينكبّ وجهي في نار الطبيعة (وَلَهُ كُلُّ شَيْءٍ) أي : تحت ملكوته وربوبيته يعطي عابده ما شاء أن يعطيه ويمنعه ما شاء أن يمنعه ويدفع من غالبه (وَأُمِرْتُ أَنْ أَكُونَ مِنَ الْمُسْلِمِينَ) الذين أسلموا وجوههم بالفناء فيه (وَأَنْ أَتْلُوَا الْقُرْآنَ) أفصل الكمالات المجموعة في إبرازها وإخراجها إلى الفعل في مقام البقاء (وَقُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ) بالاتّصاف بصفاته الحميدة (سَيُرِيكُمْ)