والخفاء بكل مقال في كل مقام ، فإنه لا ينحصر وجوه اختلافات هذه الألسن (وَأَلْوانِكُمْ) تلوّناتكم وتلويناتكم في السموات السبع والأرض (لَآياتٍ) من تجلّيات الصفات والأفعال للعلماء العارفين في مراتب علومهم (مَنامُكُمْ) غفلتكم في ليل النفس ونهار القلب بظهور صفاتها (وَابْتِغاؤُكُمْ مِنْ فَضْلِهِ) بالترقي في الكمالات واكتساب الأخلاق والمقامات (يَسْمَعُونَ) كلام الحق بسمع القلب ، فيفهمون معناه بحسب مقاماتهم في الأطوار.
[٢٤ ـ ٢٦] (وَمِنْ آياتِهِ يُرِيكُمُ الْبَرْقَ خَوْفاً وَطَمَعاً وَيُنَزِّلُ مِنَ السَّماءِ ماءً فَيُحْيِي بِهِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِها إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ (٢٤) وَمِنْ آياتِهِ أَنْ تَقُومَ السَّماءُ وَالْأَرْضُ بِأَمْرِهِ ثُمَّ إِذا دَعاكُمْ دَعْوَةً مِنَ الْأَرْضِ إِذا أَنْتُمْ تَخْرُجُونَ (٢٥) وَلَهُ مَنْ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ كُلٌّ لَهُ قانِتُونَ (٢٦))
(يُرِيكُمُ) برق اللوامع والطوالع في البدايات ، خائفين من انقضاضها وخفوقها وبقائكم في الظلمة بفواتها ، وطامعين في رجوعها ومزيدكم بها ، وينزل مياه الواردات والمكاشفات بعدها من سماء الروح وسحاب السكينة ، فيحيي بها أراضي النفوس والاستعدادات الهامدة بعد موتها بالجهل (يَعْقِلُونَ) بمطاوعة نفوسهم للدواعي العقلية معاني الواردات وما يصلحهم من الحكم والمعقولات.
[٢٧ ـ ٢٩] (وَهُوَ الَّذِي يَبْدَؤُا الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ وَهُوَ أَهْوَنُ عَلَيْهِ وَلَهُ الْمَثَلُ الْأَعْلى فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (٢٧) ضَرَبَ لَكُمْ مَثَلاً مِنْ أَنْفُسِكُمْ هَلْ لَكُمْ مِنْ ما مَلَكَتْ أَيْمانُكُمْ مِنْ شُرَكاءَ فِي ما رَزَقْناكُمْ فَأَنْتُمْ فِيهِ سَواءٌ تَخافُونَهُمْ كَخِيفَتِكُمْ أَنْفُسَكُمْ كَذلِكَ نُفَصِّلُ الْآياتِ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ (٢٨) بَلِ اتَّبَعَ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَهْواءَهُمْ بِغَيْرِ عِلْمٍ فَمَنْ يَهْدِي مَنْ أَضَلَّ اللهُ وَما لَهُمْ مِنْ ناصِرِينَ (٢٩))
(وَلَهُ الْمَثَلُ الْأَعْلى) أي : الوصف الأعلى بالفردانية في الوجود والوحدة الذاتية ، وما أحسن قول مجاهد في معناه أنه : لا إله إلا هو.
[٣٠ ـ ٣١] (فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفاً فِطْرَتَ اللهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْها لا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللهِ ذلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ (٣٠) مُنِيبِينَ إِلَيْهِ وَاتَّقُوهُ وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَلا تَكُونُوا مِنَ الْمُشْرِكِينَ (٣١))
(فَأَقِمْ وَجْهَكَ) لدين التوحيد وهو طريق الحق تعالى ، ولذلك أطلق من غير إضافة أي : هو الدين مطلقا وما سواه ليس بدين لانقطاعه دون الوصول إلى المطلوب ، والوجه هو الذات الموجودة مع جميع لوازمها وعوارضها ، وإقامته للدين تجريده عن كل ما سوى الحق قائما بالتوحيد والوقوف مع الحق غير ملتفت إلى نفسه ولا إلى غيره فيكون سيره حينئذ سيرا