لله ودينه وطريقته اللذان هو عليهما دين الله وطريقته إذ لا يرى غيره موجودا (حَنِيفاً) مائلا منحرفا عن الأديان الباطلة التي هي طرق الأغيار والأنداد لمن أثبت غيره فأشركه بالله (فِطْرَتَ اللهِ) أي : الزموا فطرة الله ، وهي الحالة التي فطرت الحقيقة الإنسانية عليها من الصفاء والتجرّد في الأزل وهي الدين القيّم أزلا وأبدا ، لا يتغير ولا يتبدّل عن الصفاء الأول ، ومحض التوحيد الفطري. وتلك الفطرة الأولى ليست إلا من الفيض الأقدس الذي هو عين الذات ، من بقي عليها لم يمكن انحرافه عن التوحيد واحتجابه عن الحق ، إنما يقع الانحراف والاحتجاب من غواشي النشأة وعوارض الطبيعة عند الخلقة أو التربية والعادة. أما الأولفلقوله عليهالسلام في الحديث الرباني : «كل عبادي خلقت حنفاء فاحتالتهم الشياطين عن دينهم وأمروهم أن يشركوا بي غيري». وأما الثانيفلقوله صلىاللهعليهوسلم : «كل مولود يولد على الفطرة حتى يكون أبواه هما اللذان يهوّدانه وينصرّانه» ، لا أن تتغير تلك الحقيقة في نفسها عن الحالة الذاتية فإنه محال ، وذلك معنى قوله : (لا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللهِ ذلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ) تلك الحقيقة (مُنِيبِينَ إِلَيْهِ) حال من الضمير المتصل في : الزموا المقدّر ، أي : الزموا تلك الفطرة المخصوصة بالله منيبين إليه من جميع الأغيار المتوهم وجودها من قبل شياطين الوهم والخيال وأديانها الباطلة بالتجرّد عن الغواشي الجبلية والعوارض البدنية والهيئات الطبيعية والصفات النفسانية إلى الحق ودينه (وَاتَّقُوهُ) بعد الإنابة إليه بتجريد الفطرة بالفناء فيه (وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ) الشهود الذاتي (وَلا تَكُونُوا مِنَ الْمُشْرِكِينَ) ببقية الفطرة وظهور الأنانية في مقامها (مِنَ الَّذِينَ) فارقوا دينهم الحقيقي بسقوطهم عن الفطرة واحتجابهم بحجب النشأة والعادة (وَكانُوا شِيَعاً) فرقا مختلفة لوقوف كل أحد مع حجابه واختلاف حجبهم وتفريق الشيطان إياهم في أودية صفات النفس ، فبعضهم على دين البهائم ، وبعضهم على دين السباع ، وبعضهم على دين الهوى ، وبعضهم على دين الشيطان خاصة ، وأنواع الشياطين لا تنحصر فكذا الأديان.
[٣٢ ـ ٦٠] (مِنَ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكانُوا شِيَعاً كُلُّ حِزْبٍ بِما لَدَيْهِمْ فَرِحُونَ (٣٢) وَإِذا مَسَّ النَّاسَ ضُرٌّ دَعَوْا رَبَّهُمْ مُنِيبِينَ إِلَيْهِ ثُمَّ إِذا أَذاقَهُمْ مِنْهُ رَحْمَةً إِذا فَرِيقٌ مِنْهُمْ بِرَبِّهِمْ يُشْرِكُونَ (٣٣) لِيَكْفُرُوا بِما آتَيْناهُمْ فَتَمَتَّعُوا فَسَوْفَ تَعْلَمُونَ (٣٤) أَمْ أَنْزَلْنا عَلَيْهِمْ سُلْطاناً فَهُوَ يَتَكَلَّمُ بِما كانُوا بِهِ يُشْرِكُونَ (٣٥) وَإِذا أَذَقْنَا النَّاسَ رَحْمَةً فَرِحُوا بِها وَإِنْ تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ بِما قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ إِذا هُمْ يَقْنَطُونَ (٣٦) أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّ اللهَ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشاءُ وَيَقْدِرُ إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ (٣٧) فَآتِ ذَا الْقُرْبى حَقَّهُ وَالْمِسْكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ ذلِكَ خَيْرٌ لِلَّذِينَ يُرِيدُونَ وَجْهَ اللهِ وَأُولئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ (٣٨) وَما آتَيْتُمْ مِنْ رِباً لِيَرْبُوَا فِي أَمْوالِ النَّاسِ فَلا يَرْبُوا عِنْدَ اللهِ وَما آتَيْتُمْ مِنْ زَكاةٍ تُرِيدُونَ وَجْهَ اللهِ فَأُولئِكَ هُمُ الْمُضْعِفُونَ (٣٩) اللهُ الَّذِي خَلَقَكُمْ ثُمَّ رَزَقَكُمْ ثُمَّ يُمِيتُكُمْ ثُمَّ