مِنِّي) أي : في القضاء السابق (لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ) الطبيعة (مِنَ الْجِنَّةِ) أي : النفوس الأرضية الخفيّة عن البصر (وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ فَذُوقُوا بِما نَسِيتُمْ لِقاءَ يَوْمِكُمْ هذا) لاحتجابكم بالغشاوات الطبيعية والملابس البدنية (إِنَّا نَسِيناكُمْ) بالخذلان عن الرحمة لعدم قبولكم إياها وإدباركم (وَذُوقُوا عَذابَ الْخُلْدِ) بسبب أعمالكم ، فعلى هذا التأويل المذكور تكون الخلد مجازا وعبارة عن الزمان الطويل ، أو يكون الخطاب بذوقوا لمن حقّ عليهم القول في القضاء السابق من الجنّة والناس.
[١٥] (إِنَّما يُؤْمِنُ بِآياتِنَا الَّذِينَ إِذا ذُكِّرُوا بِها خَرُّوا سُجَّداً وَسَبَّحُوا بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَهُمْ لا يَسْتَكْبِرُونَ (١٥))
(إِنَّما يُؤْمِنُ) على التحقيق بآيات صفاتنا (الَّذِينَ إِذا ذُكِّرُوا بِها خَرُّوا) لسرعة قبولهم لها بصفاء فطرتهم (سُجَّداً) فانين فيها (وَسَبَّحُوا بِحَمْدِ رَبِّهِمْ) أي : جرّدوا ذواتهم متّصفين بصفات ربّهم فذاك هو تسبيحهم وحمدهم له بالحقيقة (وَهُمْ لا يَسْتَكْبِرُونَ) بظهور صفات النفس والأنانية.
[١٦ ـ ١٧] (تَتَجافى جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضاجِعِ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ خَوْفاً وَطَمَعاً وَمِمَّا رَزَقْناهُمْ يُنْفِقُونَ (١٦) فَلا تَعْلَمُ نَفْسٌ ما أُخْفِيَ لَهُمْ مِنْ قُرَّةِ أَعْيُنٍ جَزاءً بِما كانُوا يَعْمَلُونَ (١٧))
(تَتَجافى جُنُوبُهُمْ) بالتجرّد عن الغواشي الطبيعية والقيام (عَنِ الْمَضاجِعِ) البدنية والخروج عن الجهات بمحو الهيئات (يَدْعُونَ رَبَّهُمْ) بالتوجه إلى التوحيد في مقام القلب خوفا من الاحتجاب بصفات النفس بالتلوين (وَطَمَعاً) في لقاء الذات (وَمِمَّا رَزَقْناهُمْ) من المعارف والحقائق (يُنْفِقُونَ) على أهل الاستعداد (فَلا تَعْلَمُ نَفْسٌ) شريفة منهم (ما أُخْفِيَ لَهُمْ) من جمال الذات ولقاء نور الأنوار الذي تقرّ به أعينهم فيجدون من اللذة والسرور ما لا يبلغ كنهه ولا يمكن وصفه (جَزاءً بِما كانُوا يَعْمَلُونَ) من التجريد والمحو في الصفاء والعمل بأحكام التجليات (مُؤْمِناً) بالتوحيد على دين الفطرة.
[١٨ ـ ٢٠] (أَفَمَنْ كانَ مُؤْمِناً كَمَنْ كانَ فاسِقاً لا يَسْتَوُونَ (١٨) أَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ فَلَهُمْ جَنَّاتُ الْمَأْوى نُزُلاً بِما كانُوا يَعْمَلُونَ (١٩) وَأَمَّا الَّذِينَ فَسَقُوا فَمَأْواهُمُ النَّارُ كُلَّما أَرادُوا أَنْ يَخْرُجُوا مِنْها أُعِيدُوا فِيها وَقِيلَ لَهُمْ ذُوقُوا عَذابَ النَّارِ الَّذِي كُنْتُمْ بِهِ تُكَذِّبُونَ (٢٠))
(كَمَنْ كانَ فاسِقاً) بخروجه عن ذلك الدين القيم بحكم دواعي النشأة (جَنَّاتُ الْمَأْوى) بحسب مقاماتهم من الجنان الثلاث (كُلَّما أَرادُوا أَنْ يَخْرُجُوا مِنْها) بالميل الفطريّ (أُعِيدُوا فِيها) لاستيلاء الميل السفلي وقهر الملكوت الأرضية بسبب رسوخ الهيئات الطبيعية.