(الَّذِي أَحْسَنَ كُلَّ شَيْءٍ خَلَقَهُ) بأن جعله مظاهر صفاته ، فإن الحسن مختصّ بالصفات والأكوان كلها مظاهر صفاته إلا الإنسان الكامل فإنه مختصّ بجمال الذات ولهذا خصّه بالتسوية أي : التعديل بأعدل الأمزجة وأحسن التقويم ليستعدّ بذلك لقبول الروح المخصوص به تعالى (وَنَفَخَ فِيهِ مِنْ رُوحِهِ) وبهذا النوع أنهى الخلق وظهر الحق.
[١١ ـ ١٢] (قُلْ يَتَوَفَّاكُمْ مَلَكُ الْمَوْتِ الَّذِي وُكِّلَ بِكُمْ ثُمَّ إِلى رَبِّكُمْ تُرْجَعُونَ (١١) وَلَوْ تَرى إِذِ الْمُجْرِمُونَ ناكِسُوا رُؤُسِهِمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ رَبَّنا أَبْصَرْنا وَسَمِعْنا فَارْجِعْنا نَعْمَلْ صالِحاً إِنَّا مُوقِنُونَ (١٢))
(مَلَكُ الْمَوْتِ) أي : النفس الإنسانية الكلية التي هي معاد النفوس الجزئية ما لم تسقط عن الفطرة بالكلية وإن احتجبت الهيئات الظلمانية والصفات النفسانية فإنها ما لم تبلغ إلى حدّ الرين وانغلاق باب المغفرة تتوفاها النفس التي هي بمثابة القلب للعالم ، وإن بلغت فرقتها ملائكة العذاب فحسب ، ولما لم يبلغوا إلى هذا الحدّ وإن احتجبوا عن لقاء الربّ وصفهم مع ميلهم إلى الجهة السفلية المنكسة لرؤوسهم بسبب رسوخ هيئات الأجرام بالبصر والسمع وتمنى الرجوع إذ لو لم يبق فيهم نور الفطرة وطمسوا بالكلية لم يقولوا : (رَبَّنا أَبْصَرْنا وَسَمِعْنا) ولم يتمنوا الرجوع ، وهؤلاء هم الذين لا يتخلدون في النار بل يعدّلون بحسب رسوخ الهيئات ثم يرجعون.
[١٣ ـ ١٤] (وَلَوْ شِئْنا لَآتَيْنا كُلَّ نَفْسٍ هُداها وَلكِنْ حَقَّ الْقَوْلُ مِنِّي لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ (١٣) فَذُوقُوا بِما نَسِيتُمْ لِقاءَ يَوْمِكُمْ هذا إِنَّا نَسِيناكُمْ وَذُوقُوا عَذابَ الْخُلْدِ بِما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (١٤))
(لَآتَيْنا كُلَّ نَفْسٍ هُداها) بالتوفيق للسلوك مع المساواة في الاستعداد ، ولكنه ينافي الحكمة لبقائهم حينئذ على طبيعةواحدة وبقاء سائر الطبقات الممكنة في حيز الإمكان مع عدم الظهور أبدا ، وخلوّ أكثر مراتب هذا العالم عن أربابها فلا تمشي الأمور الخسيسة والدنيئة المحتاج إليها في العالم التي تقوم بها أهل الحجاب والذلّة والقسوة والظلمة ، البعداء عن المحبة والرحمة والنور والعزّة ، فلا ينضبط نظام العالم ولا يتم صلاح المهتدين أيضا لوجوب الاحتياج إلى سائر الطبقات ، فإنّ النظام ينصلح بالمخافي وبالمظاهر فلو كانوا مظاهر كلهم أنبياء وسعداء لاختلّ بعدم النفوس الغلاظ والشياطين الإنس القائمين بعمارة العالم. ألا ترى إلىقوله تعالى : إني جعلت معصية آدم سببا لعمارة العالم ، فوجب في الحكمة الحقّة التفاوت في الاستعداد بالقوة والضعف والصفاء والكدورة والحكم بوجود السعداء والأشقياء في القضاء ليتجلى بجميع الصفات في جميع المراتب ، وهذا معنى قوله : (وَلكِنْ حَقَّ الْقَوْلُ