طائِرُكُمْ مَعَكُمْ أَإِنْ ذُكِّرْتُمْ بَلْ أَنْتُمْ قَوْمٌ مُسْرِفُونَ (١٩) وَجاءَ مِنْ أَقْصَا الْمَدِينَةِ رَجُلٌ يَسْعى قالَ يا قَوْمِ اتَّبِعُوا الْمُرْسَلِينَ (٢٠) اتَّبِعُوا مَنْ لا يَسْئَلُكُمْ أَجْراً وَهُمْ مُهْتَدُونَ (٢١) وَما لِيَ لا أَعْبُدُ الَّذِي فَطَرَنِي وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ (٢٢) أَأَتَّخِذُ مِنْ دُونِهِ آلِهَةً إِنْ يُرِدْنِ الرَّحْمنُ بِضُرٍّ لا تُغْنِ عَنِّي شَفاعَتُهُمْ شَيْئاً وَلا يُنْقِذُونِ (٢٣) إِنِّي إِذاً لَفِي ضَلالٍ مُبِينٍ (٢٤) إِنِّي آمَنْتُ بِرَبِّكُمْ فَاسْمَعُونِ (٢٥) قِيلَ ادْخُلِ الْجَنَّةَ قالَ يا لَيْتَ قَوْمِي يَعْلَمُونَ (٢٦) بِما غَفَرَ لِي رَبِّي وَجَعَلَنِي مِنَ الْمُكْرَمِينَ (٢٧) وَما أَنْزَلْنا عَلى قَوْمِهِ مِنْ بَعْدِهِ مِنْ جُنْدٍ مِنَ السَّماءِ وَما كُنَّا مُنْزِلِينَ (٢٨) إِنْ كانَتْ إِلاَّ صَيْحَةً واحِدَةً فَإِذا هُمْ خامِدُونَ (٢٩) يا حَسْرَةً عَلَى الْعِبادِ ما يَأْتِيهِمْ مِنْ رَسُولٍ إِلاَّ كانُوا بِهِ يَسْتَهْزِؤُنَ (٣٠) أَلَمْ يَرَوْا كَمْ أَهْلَكْنا قَبْلَهُمْ مِنَ الْقُرُونِ أَنَّهُمْ إِلَيْهِمْ لا يَرْجِعُونَ (٣١) وَإِنْ كُلٌّ لَمَّا جَمِيعٌ لَدَيْنا مُحْضَرُونَ (٣٢) وَآيَةٌ لَهُمُ الْأَرْضُ الْمَيْتَةُ أَحْيَيْناها وَأَخْرَجْنا مِنْها حَبًّا فَمِنْهُ يَأْكُلُونَ (٣٣) وَجَعَلْنا فِيها جَنَّاتٍ مِنْ نَخِيلٍ وَأَعْنابٍ وَفَجَّرْنا فِيها مِنَ الْعُيُونِ (٣٤) لِيَأْكُلُوا مِنْ ثَمَرِهِ وَما عَمِلَتْهُ أَيْدِيهِمْ أَفَلا يَشْكُرُونَ (٣٥) سُبْحانَ الَّذِي خَلَقَ الْأَزْواجَ كُلَّها مِمَّا تُنْبِتُ الْأَرْضُ وَمِنْ أَنْفُسِهِمْ وَمِمَّا لا يَعْلَمُونَ (٣٦))
(وَاضْرِبْ لَهُمْ مَثَلاً أَصْحابَ الْقَرْيَةِ) إلى آخر المثل ، يمكن أن يؤوّل أصحاب القرية بأهل مدينة البدن والرسل الثلاثة بالروح والقلب والعقل ، إذ أرسل إليهم اثنان أوّلا (فَكَذَّبُوهُما) لعدم التناسب بينهما وبينهم ، ومخالفتهم إياهما في النور والظلمة ، فعزّزوا بالعقل الذي يوافق النفس في المصالح والمناجح ويدعوها وقومها إلى ما يدعو إليه القلب والروح فيؤثر فيهم.
وتشاؤمهم بهم : تنفّرهم عنهم لحملهم إياهم على الرياضة والمجاهدة ومنعهم عن اللذات والحظوظ. ورجمهم إياهم : رميهم بالدواعي الطبيعية والمطالب البدنية. وتعذيبهم إياهم : استيلاؤهم عليهم واستعمالهم في تحصيل الشهوات البهيمية والسبعية. والرجل الذي جاء من أقصى المدينة ، أي : من أبعد مكان منها ، هو العشق المنبعث من أعلى وأرفع موضع منها بدلالة شمعون العقل ونظره لإظهار دين التوحيد والدعوة إلى الحبيب الأول وتصديق الرسل (يَسْعى) لسرعة حركته ويدعو الكل بالقهر والإجبار إلى متابعة الرسل في التوحيد ، ويقول : (وَما لِيَ لا أَعْبُدُ الَّذِي فَطَرَنِي وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ) وكان اسمه حبيبا وكان نجارا ينحت في بدايته أصنام مظاهر الصفات من الصور لاحتجابه بحسنها عن جمال الذات وهو المأمور بدخول جنة الذات ، قائلا : (يا لَيْتَ قَوْمِي) المحجوبين عن مقامي وحالي (يَعْلَمُونَ بِما غَفَرَ لِي رَبِّي) ذنب عبادة أصنام مظاهر الصفات ونحتها (وَجَعَلَنِي مِنَ الْمُكْرَمِينَ) لغاية قربي في الحضرة الأحدية. وفي الحديث : «إنّ لكل شيء قلبا ، وقلب القرآن يس» ، فلعل ذلك لأن حبيبا المشهور بصاحب يس آمن به قبل بعثته بستمائة سنة وفهم سرّ نبوته ، وقال النبي صلىاللهعليهوسلم :