(إِنَّا جَعَلْنا فِي أَعْناقِهِمْ أَغْلالاً) من قيود الطبيعة البدنية ومحبّة الأجرام السفلية (فَهِيَ إِلَى الْأَذْقانِ) تمنع رؤوسهم عن التطأطؤ للقبول إذ عمت الأعناق التي هي مفاصل تصرّفات الرؤوس وأطبقت المفاصل حتى جاوزت أعاليها وبلغت حدّ الرؤوس من قدّام فلم يبق لهم تصرّف بالقبول ولا تأثر بالانفعال والميل إلى الركوع والسجود للانقياد والفناء ، فإنّ الكمالات الإنسانية انفعالية لا تحصل إلا بالتذلّل والانقهار (فَهُمْ مُقْمَحُونَ) ممنوعون عن قبولها بإمالة الرؤوس.
[٩ ـ ١٠] (وَجَعَلْنا مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ سَدًّا وَمِنْ خَلْفِهِمْ سَدًّا فَأَغْشَيْناهُمْ فَهُمْ لا يُبْصِرُونَ (٩) وَسَواءٌ عَلَيْهِمْ أَأَنْذَرْتَهُمْ أَمْ لَمْ تُنْذِرْهُمْ لا يُؤْمِنُونَ (١٠))
(وَجَعَلْنا مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ) من الجهة الإلهية (سَدًّا) من حجاب ظهور النفس والصفات المستولية على القلب منعهم من النظر إلى فوق ليشتاقوا للقاء الحقّ عند رؤية الأنوار الجمالية (وَمِنْ خَلْفِهِمْ) من الجهة البدنية (سَدًّا) من حجاب الطبيعة الجسمانية ولذاتها المانعة لامتثالهم الأوامر والنواهي فمنعهم من العمل الصالح الذي يعدّهم لقبول الخير والصفات الجلالية فانسدّ لهم طريق العلم والعمل فهم واقفون مع أصنام الأبدان حيارى يعبدونها لا يتقدّمون ولا يتأخرون (فَأَغْشَيْناهُمْ) بالانغماس في الغواشي الهيولانية والانغمار في الملابس الجسمانية (فَهُمْ لا يُبْصِرُونَ) لكثافة الحجب من جميع الجهات وإحاطتها بهم وإذا لم يبصروا ولم يتأثروا وعدم فالإنذار وعدم الإنذار بالنسبة إليهم سواء.
[١١ ـ ١٢] (إِنَّما تُنْذِرُ مَنِ اتَّبَعَ الذِّكْرَ وَخَشِيَ الرَّحْمنَ بِالْغَيْبِ فَبَشِّرْهُ بِمَغْفِرَةٍ وَأَجْرٍ كَرِيمٍ (١١) إِنَّا نَحْنُ نُحْيِ الْمَوْتى وَنَكْتُبُ ما قَدَّمُوا وَآثارَهُمْ وَكُلَّ شَيْءٍ أَحْصَيْناهُ فِي إِمامٍ مُبِينٍ (١٢))
(إِنَّما تُنْذِرُ) أي : يؤثر الإنذار وينجع في (مَنِ اتَّبَعَ الذِّكْرَ) لنورية استعداده وصفائه فيتأثر به ويقبل الهداية بما في استعداده من التوحيد الفطري والمعرفة الأصلية ، فيتذكر ويخشى الرحمن بتصوّر عظمته مع غيبته من التجلي فيتبعه بالسلوك ليحضر ما هو غائب عنه ويرى ما استضاء بنوره (فَبَشِّرْهُ بِمَغْفِرَةٍ) عظيمة من ستر ذنوب حجب أفعاله وصفاته وذاته (وَأَجْرٍ كَرِيمٍ) من جنات أفعال الحق وصفاته وذاته.
[١٣ ـ ٣٦] (وَاضْرِبْ لَهُمْ مَثَلاً أَصْحابَ الْقَرْيَةِ إِذْ جاءَهَا الْمُرْسَلُونَ (١٣) إِذْ أَرْسَلْنا إِلَيْهِمُ اثْنَيْنِ فَكَذَّبُوهُما فَعَزَّزْنا بِثالِثٍ فَقالُوا إِنَّا إِلَيْكُمْ مُرْسَلُونَ (١٤) قالُوا ما أَنْتُمْ إِلاَّ بَشَرٌ مِثْلُنا وَما أَنْزَلَ الرَّحْمنُ مِنْ شَيْءٍ إِنْ أَنْتُمْ إِلاَّ تَكْذِبُونَ (١٥) قالُوا رَبُّنا يَعْلَمُ إِنَّا إِلَيْكُمْ لَمُرْسَلُونَ (١٦) وَما عَلَيْنا إِلاَّ الْبَلاغُ الْمُبِينُ (١٧) قالُوا إِنَّا تَطَيَّرْنا بِكُمْ لَئِنْ لَمْ تَنْتَهُوا لَنَرْجُمَنَّكُمْ وَلَيَمَسَّنَّكُمْ مِنَّا عَذابٌ أَلِيمٌ (١٨) قالُوا