[٤٤ ـ ٤٨] (عَلى سُرُرٍ مُتَقابِلِينَ (٤٤) يُطافُ عَلَيْهِمْ بِكَأْسٍ مِنْ مَعِينٍ (٤٥) بَيْضاءَ لَذَّةٍ لِلشَّارِبِينَ (٤٦) لا فِيها غَوْلٌ وَلا هُمْ عَنْها يُنْزَفُونَ (٤٧) وَعِنْدَهُمْ قاصِراتُ الطَّرْفِ عِينٌ (٤٨))
(عَلى سُرُرٍ) مراتب ودرجات (مُتَقابِلِينَ) في الصف الأول ، مترائين لا يحجب بعضهم عن بعض ولا يتفاضلون في المقاعد (يُطافُ عَلَيْهِمْ بِكَأْسٍ مِنْ) خمر العشق (مَعِينٍ) مكشوف لأهل العيان إذ دنّه المعاينة فكيف لا يعاين.
(بَيْضاءَ) نورية من عين الأحدية الكافورية ، لا شوب فيها ولا مزج من التعينات (لَذَّةٍ لِلشَّارِبِينَ لا فِيها غَوْلٌ) يغتال العقل لأنهم أهل صحو أخلصهم الله من الشوائب والحجاب فلا ينكر لهم (وَلا هُمْ عَنْها يُنْزَفُونَ) بذهاب العقول وإلا لم يكونوا أهل الجنات الثلاث في مقام البقاء.
(وَعِنْدَهُمْ قاصِراتُ الطَّرْفِ) من أهل الجبروت والملكوت والنفوس المجرّدة ، الواقفات تحت مراتبهم في مقام تجليات الصفات وسرادقات الجلال ، وفي مجالي مشاهداتهم تحت قباب الجمال في روضات القدس وحضرة الأسماء (عِينٌ) لأنّ ذواتهم كلها عيون لا يمدون طرفا عنهم لفرط محبّتهم وعشقهم لهم لأنهم هم المعشوقون.
[٤٩ ـ ٦٣] (كَأَنَّهُنَّ بَيْضٌ مَكْنُونٌ (٤٩) فَأَقْبَلَ بَعْضُهُمْ عَلى بَعْضٍ يَتَساءَلُونَ (٥٠) قالَ قائِلٌ مِنْهُمْ إِنِّي كانَ لِي قَرِينٌ (٥١) يَقُولُ أَإِنَّكَ لَمِنَ الْمُصَدِّقِينَ (٥٢) أَإِذا مِتْنا وَكُنَّا تُراباً وَعِظاماً أَإِنَّا لَمَدِينُونَ (٥٣) قالَ هَلْ أَنْتُمْ مُطَّلِعُونَ (٥٤) فَاطَّلَعَ فَرَآهُ فِي سَواءِ الْجَحِيمِ (٥٥) قالَ تَاللهِ إِنْ كِدْتَ لَتُرْدِينِ (٥٦) وَلَوْ لا نِعْمَةُ رَبِّي لَكُنْتُ مِنَ الْمُحْضَرِينَ (٥٧) أَفَما نَحْنُ بِمَيِّتِينَ (٥٨) إِلاَّ مَوْتَتَنَا الْأُولى وَما نَحْنُ بِمُعَذَّبِينَ (٥٩) إِنَّ هذا لَهُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ (٦٠) لِمِثْلِ هذا فَلْيَعْمَلِ الْعامِلُونَ (٦١) أَذلِكَ خَيْرٌ نُزُلاً أَمْ شَجَرَةُ الزَّقُّومِ (٦٢) إِنَّا جَعَلْناها فِتْنَةً لِلظَّالِمِينَ (٦٣))
(كَأَنَّهُنَّ بَيْضٌ مَكْنُونٌ) في الأداحي لغاية صفائها في خدور القدس ونقائها من موادّ الرجس (يَتَساءَلُونَ) يتحادثون بأحاديث أهل الجنة والنار ومذاكرة أحوال السعداء والأشقياء ، مطلعين على كلا الفريقين وما هم فيه من الثواب والعقاب ، كما ذكر في وصف أهل (الأعراف).
[٦٤ ـ ٦٥] (إِنَّها شَجَرَةٌ تَخْرُجُ فِي أَصْلِ الْجَحِيمِ (٦٤) طَلْعُها كَأَنَّهُ رُؤُسُ الشَّياطِينِ (٦٥))
(إِنَّها شَجَرَةٌ تَخْرُجُ فِي أَصْلِ الْجَحِيمِ) وهي شجرة النفس الخبيثة المحجوبة النابتة في قعر جهنم الطبيعة ، المتشعبة أغصانها في دركاتها القبيحة الهائلة ، ثمراتها من الرذائل والخبائث كأنها من غاية القبح والتشوّه والخبث بالتنفر (رُؤُسُ الشَّياطِينِ) أي : تنشأ منها الدواعي