[٢٧ ـ ٣٠] (وَما خَلَقْنَا السَّماءَ وَالْأَرْضَ وَما بَيْنَهُما باطِلاً ذلِكَ ظَنُّ الَّذِينَ كَفَرُوا فَوَيْلٌ لِلَّذِينَ كَفَرُوا مِنَ النَّارِ (٢٧) أَمْ نَجْعَلُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ كَالْمُفْسِدِينَ فِي الْأَرْضِ أَمْ نَجْعَلُ الْمُتَّقِينَ كَالْفُجَّارِ (٢٨) كِتابٌ أَنْزَلْناهُ إِلَيْكَ مُبارَكٌ لِيَدَّبَّرُوا آياتِهِ وَلِيَتَذَكَّرَ أُولُوا الْأَلْبابِ (٢٩) وَوَهَبْنا لِداوُدَ سُلَيْمانَ نِعْمَ الْعَبْدُ إِنَّهُ أَوَّابٌ (٣٠))
(وَما خَلَقْنَا السَّماءَ وَالْأَرْضَ وَما بَيْنَهُما) خلقا (باطِلاً) لا حق فيها ، بل حقا محتجبا بصورها لا وجود لها بنفسها فتكون باطلا محضا.
(ذلِكَ ظَنُ) المحجوبين عن الحق بمظاهر الكون (فَوَيْلٌ) لهم من نار الحرمان والاحتجاب والتقلّب في نيران الطبيعة والأنانية بأشدّ العذاب.
بل لم نجعل (الَّذِينَ آمَنُوا) بشهود جماله في مظاهر الأكوان (وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ) من الأعمال المقصودة بذاتها ، المتعلقة بصلاح العالم ، الصادرة عن أسمائه (كَالْمُفْسِدِينَ) المحجوبين الفاعلين بأنفسهم وصفاتهم الأفعال البهيمية والسبعية والشيطانية في أرض الطبيعة (أَمْ نَجْعَلُ الْمُتَّقِينَ) المجرّدين عن صفاتهم (كَالْفُجَّارِ) المتلبسين بالغواشي النفسانية والشيطانية في أعمالهم (لِيَدَّبَّرُوا آياتِهِ) بالنظر العقلي ما داموا في مقام النفس ، فينخلعوا عن صفاتهم في متابعة صفاته (وَلِيَتَذَكَّرَ) حال العهد الأول والتوحيد الفطري عند التجرّد (أُولُوا) الحقائق المجرّدة الصافية عن قشر الخلقة.
ثم ذكر تلوين سليمان وابتلاءه تأكيدا لتثبيته ، وتقوية له في استقامته وتمكينه (نِعْمَ الْعَبْدُ) لصلاحية استعداده للكمال النوعي الإنساني وهو مقام النبوّة (إِنَّهُ أَوَّابٌ) رجّاع إليّ بالتجريد.
[٣١ ـ ٣٣] (إِذْ عُرِضَ عَلَيْهِ بِالْعَشِيِّ الصَّافِناتُ الْجِيادُ (٣١) فَقالَ إِنِّي أَحْبَبْتُ حُبَّ الْخَيْرِ عَنْ ذِكْرِ رَبِّي حَتَّى تَوارَتْ بِالْحِجابِ (٣٢) رُدُّوها عَلَيَّ فَطَفِقَ مَسْحاً بِالسُّوقِ وَالْأَعْناقِ (٣٣))
(إِذْ عُرِضَ عَلَيْهِ بِالْعَشِيِ) وقت قرب غروب شمس الروح في الأفق الجسماني بميل القلب إلى النفس وظهور ظلمتها بالميل إلى المال واستيلاء محبة الجسمانيات واستحسانها ، كما قال الله تعالى : (زُيِّنَ لِلنَّاسِ حُبُّ الشَّهَواتِ) (١) إلى قوله : (وَالْخَيْلِ الْمُسَوَّمَةِ وَالْأَنْعامِ وَالْحَرْثِ) (٢). فإنّ الميل إلى الزخارف الدنيوية والمشتهيات الحسيّة وهوى اللذات الطبيعية والأجرام السفلية يوجب إعراض النفس عن الجهة العلوية ، واحتجاب القلب عن الحضرة الإلهية (الصَّافِناتُ الْجِيادُ) التي استعرضها وانجذب بهواها وأحبها (فَقالَ إِنِّي أَحْبَبْتُ حُبَّ الْخَيْرِ)
__________________
(١ ـ ٢) سورة آل عمران ، الآية : ١٤.