(إِنَّا سَخَّرْنَا) جبال الأعضاء معه (يُسَبِّحْنَ) بالانقياد والتمرّن في الطاعة أوقات العبادة وقت عشيّ الاستتار واحتجاب نور شمس الروح بظهور النفس وإشراق التجلي وسلطان نور شمس الروح على النفس لا يتفاوت حاله في العبادة بالفترة والعزيمة في الوقتين لكمال تمرين نفسه وبدنه في الطاعة ، وطير القوى بأجمعها (مَحْشُورَةً) مجموعة ، متسالمة بهيئة العدالة والانخراط في سلك الوحدة في تسبيحاتها المخصوصة بكل واحدة منها (كُلٌّ لَهُ أَوَّابٌ) رجّاع لتسبيحه بتسبيحه.
[٢٠ ـ ٢٦] (وَشَدَدْنا مُلْكَهُ وَآتَيْناهُ الْحِكْمَةَ وَفَصْلَ الْخِطابِ (٢٠) وَهَلْ أَتاكَ نَبَأُ الْخَصْمِ إِذْ تَسَوَّرُوا الْمِحْرابَ (٢١) إِذْ دَخَلُوا عَلى داوُدَ فَفَزِعَ مِنْهُمْ قالُوا لا تَخَفْ خَصْمانِ بَغى بَعْضُنا عَلى بَعْضٍ فَاحْكُمْ بَيْنَنا بِالْحَقِّ وَلا تُشْطِطْ وَاهْدِنا إِلى سَواءِ الصِّراطِ (٢٢) إِنَّ هذا أَخِي لَهُ تِسْعٌ وَتِسْعُونَ نَعْجَةً وَلِيَ نَعْجَةٌ واحِدَةٌ فَقالَ أَكْفِلْنِيها وَعَزَّنِي فِي الْخِطابِ (٢٣) قالَ لَقَدْ ظَلَمَكَ بِسُؤالِ نَعْجَتِكَ إِلى نِعاجِهِ وَإِنَّ كَثِيراً مِنَ الْخُلَطاءِ لَيَبْغِي بَعْضُهُمْ عَلى بَعْضٍ إِلاَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ وَقَلِيلٌ ما هُمْ وَظَنَّ داوُدُ أَنَّما فَتَنَّاهُ فَاسْتَغْفَرَ رَبَّهُ وَخَرَّ راكِعاً وَأَنابَ (٢٤) فَغَفَرْنا لَهُ ذلِكَ وَإِنَّ لَهُ عِنْدَنا لَزُلْفى وَحُسْنَ مَآبٍ (٢٥) يا داوُدُ إِنَّا جَعَلْناكَ خَلِيفَةً فِي الْأَرْضِ فَاحْكُمْ بَيْنَ النَّاسِ بِالْحَقِّ وَلا تَتَّبِعِ الْهَوى فَيُضِلَّكَ عَنْ سَبِيلِ اللهِ إِنَّ الَّذِينَ يَضِلُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللهِ لَهُمْ عَذابٌ شَدِيدٌ بِما نَسُوا يَوْمَ الْحِسابِ (٢٦))
(وَشَدَدْنا مُلْكَهُ) قوّيناه بالتأييد وإيتاء العزّة والهيبة ، وإعطاء العز والقدرة لائتلاف نفسه بأنوار تجليات القهر والعظمة والكبرياء والعزّة واتصافه بصفاتنا الباهرة ، فيها به كل أحد ويجله ويذعن لسلطنته ويبجله (وَآتَيْناهُ الْحِكْمَةَ) لاتصافه بعلمنا (وَفَصْلَ الْخِطابِ) والفصاحة المبينة للأحكام ، أي : الحكمة النظرية والعملية والمعرفة والشريعة. وفصل الخطاب : هو المفصول ، المبين من الكلام المتعلق بالأحكام ، ثم بين تلوينه وظهور نفسه في زلته ، وتبيينه الحق بالعتاب على خطيئته وتأديبه إياه وتداركه بتوبته بقوله : (وَهَلْ أَتاكَ نَبَأُ الْخَصْمِ إِذْ تَسَوَّرُوا الْمِحْرابَ وَظَنَ) أي : تيقن (داوُدُ أَنَّما) ابتليناه بامرأة أوريا (فَاسْتَغْفَرَ رَبَّهُ) بالتنصل عن ذنبه بالافتقار والالتجاء إليه في المجاهدة وكسر النفس وقمعها بالمخالفة (وَخَرَّ) بمحو صفات النفس (راكِعاً) فانيا في صفات الحق (وَأَنابَ) إلى الله بالفناء في ذاته (فَغَفَرْنا لَهُ ذلِكَ) التلوين بستر صفاته بنور صفاتنا (وَإِنَّ لَهُ عِنْدَنا لَزُلْفى) بالوجود الحقانيّ الموهوب حال البقاء بعد الفناء (وَحُسْنَ مَآبٍ) لاتّصافه حينئذ بصفاتنا لا بأنانيته ليلتحق بنا ويحكم بأحكامنا في محل الخلافة الإلهية ، كما قال : (يا داوُدُ إِنَّا جَعَلْناكَ خَلِيفَةً فِي الْأَرْضِ فَاحْكُمْ بَيْنَ النَّاسِ) بالحكم (بِالْحَقِ) لا بنفسك ليكون عدلا لا جورا (وَلا تَتَّبِعِ الْهَوى) بظهور النفس فتجور ضّالا عن سبيل الحق إلى سبيل الشيطان.