(وَعِنْدَهُمْ قاصِراتُ الطَّرْفِ) من الأزواج القدسية وما في مراتبهم من النفوس الفلكية والإنسية (أَتْرابٌ) متساوية في الرتب (لِيَوْمِ الْحِسابِ) لوقت جزائكم من الصفات الإلهية على حساب فنائكم من الصفات البشرية (ما لَهُ مِنْ نَفادٍ) لكونه غير مادي فلا ينقطع (هذا) باب في وصف الجنة وأهلها (وَإِنَ) للذين طغوا حدودهم بصفات النفس وظهورها فنازعوا الحق علوّه وكبرياءه باستعلائهم وتكّبرهم (لَشَرَّ مَآبٍ) إلى جهنم الطبيعة الآثارية ونيران الظلمات الهيولانية (يَصْلَوْنَها) بفقدان اللذات ووجدان الآلام (هذا فَلْيَذُوقُوهُ حَمِيمٌ) الهوى والجهل (وَغَسَّاقٌ) الهيئات الظلمانية والكدورات الجسمانية.
[٥٨ ـ ٦٤] (وَآخَرُ مِنْ شَكْلِهِ أَزْواجٌ (٥٨) هذا فَوْجٌ مُقْتَحِمٌ مَعَكُمْ لا مَرْحَباً بِهِمْ إِنَّهُمْ صالُوا النَّارِ (٥٩) قالُوا بَلْ أَنْتُمْ لا مَرْحَباً بِكُمْ أَنْتُمْ قَدَّمْتُمُوهُ لَنا فَبِئْسَ الْقَرارُ (٦٠) قالُوا رَبَّنا مَنْ قَدَّمَ لَنا هذا فَزِدْهُ عَذاباً ضِعْفاً فِي النَّارِ (٦١) وَقالُوا ما لَنا لا نَرى رِجالاً كُنَّا نَعُدُّهُمْ مِنَ الْأَشْرارِ (٦٢) أَتَّخَذْناهُمْ سِخْرِيًّا أَمْ زاغَتْ عَنْهُمُ الْأَبْصارُ (٦٣) إِنَّ ذلِكَ لَحَقٌّ تَخاصُمُ أَهْلِ النَّارِ (٦٤))
(وَ) خزي وعذاب (آخَرُ) من نوعه أو مذوقات أخر من مثله ، أصناف من العذاب في الهوان والحرمان (هذا فَوْجٌ) من أتباعكم وأشباهكم أهل طبائع السوء والرذائل المختلفة (مُقْتَحِمٌ مَعَكُمْ) في مضايق المذلة ومداخل الهوان. قال الطاغون : (لا مَرْحَباً) بهم لشدّة عذابهم وكونهم في الضيق والضنك واستيحاش بعضهم من بعض لقبح المناظر وسوء المخابر (قالُوا) أي : الأتباع (بَلْ أَنْتُمْ لا مَرْحَباً بِكُمْ) لتضاعف عذابكم ورسوخ هيئاتكم (أَنْتُمْ قَدَّمْتُمُوهُ لَنا) بإضلالنا والتحريض على أعمالنا ، وهذه المقاولات قد تكون بلسان القال وقد تكون بلسان الحال ، والرجال الذين اتخذوهم سخريا هم الفقراء الموحدون والصعاليك المحققون عدوهم من الأشرار في الدنيا لمخالفتهم إياهم في الإغراء عما سوى الله والتوجه إلى خلاف مقاصدهم وترك عاداتهم ومطالبهم بل (زاغَتْ عَنْهُمُ) أبصارهم لكونهم محجوبين بالغواشي البدنية والأمور الطبيعية عن حقائقهم المجرّدة وذواتهم المقدّسة كما حجبوا بالعادات العامية والطرائق الجاهلية عن طرائقهم وسيرتهم على أن أم منقطعة ، وإنما كان تخاصم أهل النار حقا لكونهم في عالم التضاد ومحل العناد ، أسراء في قيود الطبائع المختلفة وأيدي القوى المتنازعة والأهواء الممانعة ، والميول المتجاذبة ، ما أنا إلا منذر لا أدعوكم إلى نفسي ولا أقدر على هدايتكم لأني فان عن نفسي وعن قدري ، قائم في الإنذار بالله وصفاته.
[٦٥ ـ ٧٤] (قُلْ إِنَّما أَنَا مُنْذِرٌ وَما مِنْ إِلهٍ إِلاَّ اللهُ الْواحِدُ الْقَهَّارُ (٦٥) رَبُّ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَما بَيْنَهُمَا الْعَزِيزُ الْغَفَّارُ (٦٦) قُلْ هُوَ نَبَأٌ عَظِيمٌ (٦٧) أَنْتُمْ عَنْهُ مُعْرِضُونَ (٦٨) ما كانَ لِي مِنْ عِلْمٍ بِالْمَلَإِ الْأَعْلى إِذْ يَخْتَصِمُونَ (٦٩) إِنْ يُوحى إِلَيَّ إِلاَّ أَنَّما أَنَا نَذِيرٌ مُبِينٌ (٧٠) إِذْ قالَ رَبُّكَ لِلْمَلائِكَةِ إِنِّي خالِقٌ بَشَراً مِنْ طِينٍ (٧١) فَإِذا سَوَّيْتُهُ وَنَفَخْتُ فِيهِ مِنْ رُوحِي فَقَعُوا لَهُ ساجِدِينَ (٧٢) فَسَجَدَ الْمَلائِكَةُ كُلُّهُمْ أَجْمَعُونَ (٧٣) إِلاَّ إِبْلِيسَ اسْتَكْبَرَ وَكانَ مِنَ الْكافِرِينَ (٧٤))