(وَما مِنْ إِلهٍ) في الوجود (إِلَّا اللهُ الْواحِدُ) بذاته (الْقَهَّارُ) الذي يقهر كل من سواه بإفنائه في وحدانيته (رَبُ) الكل الذي يربّ كل شيء في حضرة واحديته باسم من أسمائه (الْعَزِيزُ) الذي يغلب المحجوب بقوّته فيعذبه بما حجب به في سترات جلاله لاستحقاقه فيض الربوبية من حضرة القهّار المنتقم وسطوات العذاب المحتجب (الْغَفَّارُ) الذي يستر ظلمات صفات النفس بأنوار تجليات جماله لمن بقي فيه نور فطرته فيقبل نور المغفرة لبقاء مسكة من نوريته (قُلْ هُوَ) أي : الذي أنذرتكم به من التوحيد الذاتي والصفاتي (نَبَأٌ عَظِيمٌ* أَنْتُمْ عَنْهُ مُعْرِضُونَ) ثم احتجّ على صحة نبوّته باطلاعه على اختصام الملأ الأعلى من غير تعلم إذ لا سبيل إليه إلا الوحي ، وفرّق بين اختصام الملأ الأعلى واختصام أهل النار بقوله في تخاصم أهل النار : إن ذلك لحق ، وفي اختصام الملأ الأعلى (إِذْ يَخْتَصِمُونَ) لأن ذلك حقيقي لا ينتهي إلى الوفاق أبدا ، وهذا عارضي نشأ من عدم اطلاعهم على كمال آدم عليهالسلام الذي هو فوق كمالاتهم. وانتهى إلى الوفاق عند قولهم : (سُبْحانَكَ لا عِلْمَ لَنا إِلَّا ما عَلَّمْتَنا) (١) ، وقوله تعالى : (أَلَمْ أَقُلْ لَكُمْ إِنِّي أَعْلَمُ غَيْبَ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ) (٢) على ما ذكر في سورة (البقرة) عند تأويل هذه القصة. وسجودهم لآدم عليهالسلام : تعظيمهم له وانقيادهم وخضوعهم لانكشاف كماله الذي هو فوق كمالاتهم عليهمالسلام ، وأباء إبليس واستكباره : عدم انقياد شيطان الوهم وإذعانه لاحتجابه عن حقيقته بانطباعه في المادة ، ولهذا قال تعالى : (وَكانَ مِنَ الْكافِرِينَ) (٣).
[٧٥ ـ ٨٥] (قالَ يا إِبْلِيسُ ما مَنَعَكَ أَنْ تَسْجُدَ لِما خَلَقْتُ بِيَدَيَّ أَسْتَكْبَرْتَ أَمْ كُنْتَ مِنَ الْعالِينَ (٧٥) قالَ أَنَا خَيْرٌ مِنْهُ خَلَقْتَنِي مِنْ نارٍ وَخَلَقْتَهُ مِنْ طِينٍ (٧٦) قالَ فَاخْرُجْ مِنْها فَإِنَّكَ رَجِيمٌ (٧٧) وَإِنَّ عَلَيْكَ لَعْنَتِي إِلى يَوْمِ الدِّينِ (٧٨) قالَ رَبِّ فَأَنْظِرْنِي إِلى يَوْمِ يُبْعَثُونَ (٧٩) قالَ فَإِنَّكَ مِنَ الْمُنْظَرِينَ (٨٠) إِلى يَوْمِ الْوَقْتِ الْمَعْلُومِ (٨١) قالَ فَبِعِزَّتِكَ لَأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ (٨٢) إِلاَّ عِبادَكَ مِنْهُمُ الْمُخْلَصِينَ (٨٣) قالَ فَالْحَقُّ وَالْحَقَّ أَقُولُ (٨٤) لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ مِنْكَ وَمِمَّنْ تَبِعَكَ مِنْهُمْ أَجْمَعِينَ (٨٥))
(لِما خَلَقْتُ بِيَدَيَ) أي : خلقته بصفتي الجمال والجلال والقهر واللطف وجميع أسمائي المتقابلة المندرجة تحت صفتي القهر والمحبة لتحصل عند الجمعية الإلهية في الحضرة
__________________
(١) سورة البقرة ، الآية : ٣٢.
(٢) سورة البقرة ، الآية : ٣٣.
(٣) سورة ص ، الآية : ٧٤.