(وَسَبِّحْ) بالتجريد (بِحَمْدِ رَبِّكَ) موصوفا بكماله دائما ، أي : ما دمت في حال الفناء لا تأمن التلوين بظهور النفس وصفاتها ، وجب عليك الصبر والاستغفار والتجريد عن الأوصاف التي تظهر بها النفس ، والتحقق بالله وصفاته ، فإذا حصل لك مقام الاستقامة والتمكين حال البقاء بعد الفناء فذلك وقت الغلبة وظهور النفس والوفاء بالوعد.
[٦٠ ـ ٦١] (وَقالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ داخِرِينَ (٦٠) اللهُ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ اللَّيْلَ لِتَسْكُنُوا فِيهِ وَالنَّهارَ مُبْصِراً إِنَّ اللهَ لَذُو فَضْلٍ عَلَى النَّاسِ وَلكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَشْكُرُونَ (٦١))
(وَقالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ) هذا دعاء الحال ، لأن الدعاء باللسان مع عدم العلم بأن المدعوّ به خير له أم لا دعاء المحجوبين ، وقال الله تعالى : (وَما دُعاءُ الْكافِرِينَ إِلَّا فِي ضَلالٍ) (١) أي : ضياع. وأما الدعاء الذي لا تتخلف عنه الاستجابة فهو دعاء الحال بأن يهيئ العبد استعداده لقبول ما تطلبه ولا تتخلف الاستجابة عن هذا الدعاء كمن طلب المغفرة ، فتاب إلى الله وأناب بالزهد والطاعة ، ومن طلب الوصول فاختار الفناء ، ولهذا قال تعالى : (إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبادَتِي) أي : لا يدعونني بالتضرّع والخضوع والاستكانة بل تظهر أنفسهم بصفة التكبّر والعلوّ (سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ داخِرِينَ) لدعائهم بلسان الحال مع القهر والإذلال إذ صفة الاستكبار ومنازعة الله في كبريائه تستدعي ذلك.
[٦٢ ـ ٦٩] (ذلِكُمُ اللهُ رَبُّكُمْ خالِقُ كُلِّ شَيْءٍ لا إِلهَ إِلاَّ هُوَ فَأَنَّى تُؤْفَكُونَ (٦٢) كَذلِكَ يُؤْفَكُ الَّذِينَ كانُوا بِآياتِ اللهِ يَجْحَدُونَ (٦٣) اللهُ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ قَراراً وَالسَّماءَ بِناءً وَصَوَّرَكُمْ فَأَحْسَنَ صُوَرَكُمْ وَرَزَقَكُمْ مِنَ الطَّيِّباتِ ذلِكُمُ اللهُ رَبُّكُمْ فَتَبارَكَ اللهُ رَبُّ الْعالَمِينَ (٦٤) هُوَ الْحَيُّ لا إِلهَ إِلاَّ هُوَ فَادْعُوهُ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ (٦٥) قُلْ إِنِّي نُهِيتُ أَنْ أَعْبُدَ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللهِ لَمَّا جاءَنِي الْبَيِّناتُ مِنْ رَبِّي وَأُمِرْتُ أَنْ أُسْلِمَ لِرَبِّ الْعالَمِينَ (٦٦) هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ تُرابٍ ثُمَّ مِنْ نُطْفَةٍ ثُمَّ مِنْ عَلَقَةٍ ثُمَّ يُخْرِجُكُمْ طِفْلاً ثُمَّ لِتَبْلُغُوا أَشُدَّكُمْ ثُمَّ لِتَكُونُوا شُيُوخاً وَمِنْكُمْ مَنْ يُتَوَفَّى مِنْ قَبْلُ وَلِتَبْلُغُوا أَجَلاً مُسَمًّى وَلَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ (٦٧) هُوَ الَّذِي يُحْيِي وَيُمِيتُ فَإِذا قَضى أَمْراً فَإِنَّما يَقُولُ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ (٦٨) أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يُجادِلُونَ فِي آياتِ اللهِ أَنَّى يُصْرَفُونَ (٦٩))
(ذلِكُمُ اللهُ رَبُّكُمْ) أي : ذلكم المتجلي بأفعاله وصفاته الله الموصوف بجميع الصفات ربّكم بأسمائه المختصّة بكل واحدة من أحوالكم (خالِقُ كُلِّ شَيْءٍ) بالاحتجاب به (لا إِلهَ إِلَّا هُوَ) في الوجود يخلق شيئا ويظهر بصفة (فَأَنَّى تُؤْفَكُونَ) عن طاعته إلى إثبات الغير وطاعته.
__________________
(١) سورة الرعد ، الآية : ١٤.