أسماع قلوبهم وأبصارها فلا ينفذ فيها ولا يتنبهوا بها ولا يتيقظوا كالذي ينادي من مكان بعيد لبعدهم عن منبع النور الذي يدرك به الحق ويرى ، وانهماكهم في ظلمات الهيولى.
[٥٣] (سَنُرِيهِمْ آياتِنا فِي الْآفاقِ وَفِي أَنْفُسِهِمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الْحَقُّ أَوَلَمْ يَكْفِ بِرَبِّكَ أَنَّهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ (٥٣))
(سَنُرِيهِمْ آياتِنا فِي الْآفاقِ وَفِي أَنْفُسِهِمْ) أي : نوفقهم للنظر في تصاريفنا للممكنات وأحوالها (حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَهُمْ) بطريق الاستدلال واليقين البرهاني (أَنَّهُ الْحَقُّ أَوَلَمْ يَكْفِ بِرَبِّكَ) للذين شاهدوه من أهل العيان (أَنَّهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ) حاضر مطلع ، أي : لم يكف شهوده على مظاهر الأشياء في معرفته وكونه الحق الثابت دون غيره حتى تحتاج إلى الاستدلال بأفعاله أو التوسل بتجليات صفاته وهذا هو حال المحبوب المكاشف بالجذب قبل السلوك ، والأول حال المحبّ السالك المجاهد لطلب الوصول.
[٥٤] (أَلا إِنَّهُمْ فِي مِرْيَةٍ مِنْ لِقاءِ رَبِّهِمْ أَلا إِنَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ مُحِيطٌ (٥٤))
(أَلا إِنَّهُمْ فِي مِرْيَةٍ مِنْ لِقاءِ رَبِّهِمْ) لاحتجابهم بالكون عن المكوّن والمخلوق عن الخالق (أَلا إِنَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ مُحِيطٌ) لا يخرج عن إحاطته شيء وإلا لم يوجد ، إذ حقيقة كل شيء عين علمه تعالى ووجوده به ، وعلمه عين ذاته وذاته عين وجوده ، فلا يخرج شيء عن إحاطته إذ لا وجود لغيره ولا عين ولا ذات (كُلُّ شَيْءٍ هالِكٌ إِلَّا وَجْهَهُ) (١) كما قال تعالى : (كُلُّ مَنْ عَلَيْها فانٍ (٢٦) وَيَبْقى وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الْجَلالِ وَالْإِكْرامِ (٢٧)) (٢).
__________________
(١) سورة القصص ، الآية : ٨٨.
(٢) سورة الرحمن ، الآيات : ٢٦ ـ ٢٧.