منفرجة لنفوذ تلك القوى وسريانها وتصرفها فيها (إِنَّهُمْ جُنْدٌ مُغْرَقُونَ) هالكون بتموّج البحر وطمسه إياهم عند خراب البدن.
[٤٣ ـ ٤٨] (إِنَّ شَجَرَةَ الزَّقُّومِ (٤٣) طَعامُ الْأَثِيمِ (٤٤) كَالْمُهْلِ يَغْلِي فِي الْبُطُونِ (٤٥) كَغَلْيِ الْحَمِيمِ (٤٦) خُذُوهُ فَاعْتِلُوهُ إِلى سَواءِ الْجَحِيمِ (٤٧) ثُمَّ صُبُّوا فَوْقَ رَأْسِهِ مِنْ عَذابِ الْحَمِيمِ (٤٨))
(إِنَّ شَجَرَةَ الزَّقُّومِ* طَعامُ الْأَثِيمِ) شجرة الزقوم هي النفس المستعلية على القلب في تعبّد الشهوة وتعوّد اللذات ، سميت زقوما لملازمتها اللذة ، إذ الزقم والتزقم عندهم أكل الزبد والتمر ، ولكونه لذيذ نسبت تبعة اللذة إليه واشتق لها اسم منه ، ولا يطعم منها ويستمد من قواها وشهواتها إلا المنغمس في الإثم المنهمك في الهوى (كَالْمُهْلِ) أي : دردى الزيت لثقلها وترسبها وسرعة نفوذها في المسام للطافتها وحرارتها اللازمة لطلبها ما يهواها ، أو النحاس الذائب في ميلها إلى الجهة السفلية وإيذائها القلب بشدّة الداعية ولهج الحرص ولهب نار الشوق مع الحرمان (يَغْلِي فِي الْبُطُونِ) تضطرب وتقلق في البواطن من شدّة حرّ التعب في الطلب فتقلق القلوب وتحرقها بنار الهوى ومنافاة ظلمتها لنوريتها وتسري فيها بالأذى لاستيلاء هيئتها عليها ولطف هواها الذي هو روح النفس ورسوخ محبتها فيها ، ولهذا فيل : ذواق السلاطين محرقة الشفتين ، (كَغَلْيِ الْحَمِيمِ) الساري بحرّه في المسامّ للطافته وقوله في البطون كقوله : (نارُ اللهِ الْمُوقَدَةُ (٦) الَّتِي تَطَّلِعُ عَلَى الْأَفْئِدَةِ (٧)) (١).
[٤٩ ـ ٥٠] (ذُقْ إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْكَرِيمُ (٤٩) إِنَّ هذا ما كُنْتُمْ بِهِ تَمْتَرُونَ (٥٠))
(ذُقْ إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْكَرِيمُ) إشارة إلى انعكاس أحوالها لانتكاس فطرتها ، فإنّ اللذة والعزّة الجسمانية والكرامة النفسانية موجبة للألم والهوان والذلّة الروحانية (إِنَّ هذا ما كُنْتُمْ بِهِ تَمْتَرُونَ) لحسبانكم انحصار اللذات والآلام في الحسيّة واحتجابكم بها عن العقلية.
[٥١ ـ ٥٩] (إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي مَقامٍ أَمِينٍ (٥١) فِي جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ (٥٢) يَلْبَسُونَ مِنْ سُندُسٍ وَإِسْتَبْرَقٍ مُتَقابِلِينَ (٥٣) كَذلِكَ وَزَوَّجْناهُمْ بِحُورٍ عِينٍ (٥٤) يَدْعُونَ فِيها بِكُلِّ فاكِهَةٍ آمِنِينَ (٥٥) لا يَذُوقُونَ فِيهَا الْمَوْتَ إِلاَّ الْمَوْتَةَ الْأُولى وَوَقاهُمْ عَذابَ الْجَحِيمِ (٥٦) فَضْلاً مِنْ رَبِّكَ ذلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ (٥٧) فَإِنَّما يَسَّرْناهُ بِلِسانِكَ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ (٥٨) فَارْتَقِبْ إِنَّهُمْ مُرْتَقِبُونَ (٥٩))
(إِنَّ الْمُتَّقِينَ) الكاملين في التقوى باجتناب البقايا (فِي جَنَّاتٍ) عالية من الجنان الثلاث
__________________
(١) سورة الهمزة ، الآيات : ٦ ـ ٧.