(فَاصْبِرْ عَلى ما يَقُولُونَ) بالنظر إليهم بالفناء وعدم تأثير أقوالهم بالانسلاخ عن الأفعال وحبس النفس عن الظهور بأفعالها إن لم تحبسها عن الظهور بصفاتها (وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ) بالتجريد عن صفات النفس حامدا لربّك بالاتصاف بصفاته وإبراز كمالاته المكتوبة فيك في مقام القلب (قَبْلَ طُلُوعِ) شمس الروح ومقام المشاهدة (وَقَبْلَ الْغُرُوبِ) غروبها بالفناء في أحدية الذات (وَمِنَ اللَّيْلِ) أي : في بعض أوقات ظلمة التلوين فنزّهه عن صفات المخلوقين بالتجرّد عن الصفة الظاهرة بالتلوين (وَأَدْبارَ السُّجُودِ) وفي أعقاب كل فناء ، فإن عقيب فناء الأفعال يجب الاحتراز عن تلوين النفس وعقيب الفناء عن الصفات يجب التنزّه عن تلوين القلب ، وعقيب فناء الذات يجب التقدّس عن ظهور الأنانية.
[٤١ ـ ٤٣] (وَاسْتَمِعْ يَوْمَ يُنادِ الْمُنادِ مِنْ مَكانٍ قَرِيبٍ (٤١) يَوْمَ يَسْمَعُونَ الصَّيْحَةَ بِالْحَقِّ ذلِكَ يَوْمُ الْخُرُوجِ (٤٢) إِنَّا نَحْنُ نُحْيِي وَنُمِيتُ وَإِلَيْنَا الْمَصِيرُ (٤٣))
(وَاسْتَمِعْ يَوْمَ يُنادِ) الله بنفسه من أقرب الأماكن إليك كما نادى موسى من شجرة نفسه ، يوم يسمع أهل القيامة الكبرى صيحة القهر والإفناء بالحق من الحق (ذلِكَ يَوْمُ الْخُرُوجِ) من وجوداتهم (إِنَّا نَحْنُ نُحْيِي وَنُمِيتُ) أي : شأننا الإحياء والإماتة نحيي أولا بالنفس ثم نميت عنها ثم نحيي بالقلب ثم نميت عنه ثم نحيي بالروح ثم نميت عنه بالفناء (وَإِلَيْنَا الْمَصِيرُ) بالبقاء بعد الفناء بل في كل فناء إذ لا غير يصيرون إليه.
[٤٤ ـ ٤٥] (يَوْمَ تَشَقَّقُ الْأَرْضُ عَنْهُمْ سِراعاً ذلِكَ حَشْرٌ عَلَيْنا يَسِيرٌ (٤٤) نَحْنُ أَعْلَمُ بِما يَقُولُونَ وَما أَنْتَ عَلَيْهِمْ بِجَبَّارٍ فَذَكِّرْ بِالْقُرْآنِ مَنْ يَخافُ وَعِيدِ (٤٥))
(يَوْمَ تَشَقَّقُ) أرض البدن (عَنْهُمْ سِراعاً) إلى ما يجانسهم من الخلق (ذلِكَ حَشْرٌ عَلَيْنا يَسِيرٌ) نحشرهم مع من يتولّونه بالمحبة بانجذابهم إليه دفعة بلا كلفة من أحد (نَحْنُ أَعْلَمُ بِما يَقُولُونَ) لإحاطة علمنا بهم وتقدمه عليهم وعلى أقوالهم (وَما أَنْتَ عَلَيْهِمْ بِجَبَّارٍ) تجبرهم على خلاف ما اقتضى استعدادهم وحالهم التي هم عليها ، (إِنَّما أَنْتَ مُذَكِّرٌ) (١) فاصبر بشهود ذلك مني واحبس النفس عن الظهور بالتلوين وذكر بالقرآن بما نزل عليك من العقل الجامع بجميع المراتب (مَنْ) يتأثر بالتذكير ف (يَخافُ وَعِيدِ) لكونه قابلا للوعظ مجانسا لك في الاستعداد قريبا مني دون المردودين الذين لا يتأثرون به والله تعالى أعلم.
__________________
(١) سورة الغاشية ، الآية : ٢١.