بالخشية وصارت الخشية مقامه عند تجلي الحق في صفة الرحمة الرحمانية إذ هي أعظم صفاته لدلالتها على إفاضة جميع الخيرات والكمالات الظاهرة على الكل وهي جلائل النعم وعظائمها (بِالْغَيْبِ) أي : في حالة كونه غائبا عن شهود الذات ، إذ المحتجب بتجلي الصفات غائب عن جمال الذات (وَجاءَ بِقَلْبٍ مُنِيبٍ) إلى الله عن ذنوب صفات النفس في معارج صفات الحق دون الساكن في مقام الخشية الذي لا يقصد التوقي.
[٣٤ ـ ٣٥] (ادْخُلُوها بِسَلامٍ ذلِكَ يَوْمُ الْخُلُودِ (٣٤) لَهُمْ ما يَشاؤُنَ فِيها وَلَدَيْنا مَزِيدٌ (٣٥))
(ادْخُلُوها) بسلامة عن عيوب صفات النفس آمنين عن تلوينها (لَهُمْ ما يَشاؤُنَ فِيها) من نعم التجليات الصفاتية وأنوارها بحسب الإرادة (وَلَدَيْنا مَزِيدٌ) من نور تجلي الذات الذي لا يخطر على قلوبهم.
[٣٦ ـ ٣٧] (وَكَمْ أَهْلَكْنا قَبْلَهُمْ مِنْ قَرْنٍ هُمْ أَشَدُّ مِنْهُمْ بَطْشاً فَنَقَّبُوا فِي الْبِلادِ هَلْ مِنْ مَحِيصٍ (٣٦) إِنَّ فِي ذلِكَ لَذِكْرى لِمَنْ كانَ لَهُ قَلْبٌ أَوْ أَلْقَى السَّمْعَ وَهُوَ شَهِيدٌ (٣٧))
(وَكَمْ أَهْلَكْنا) قبل هؤلاء المتقين بالإفناء والإحراق بسبحات تجلي الذات (مِنْ قَرْنٍ هُمْ أَشَدُّ مِنْهُمْ بَطْشاً) أي : أولياء أقوى منهم في صفات نفوسهم لأن الاستعداد كلما كان أقوى كانت صفات النفس في البداية أقوى (فَنَقَّبُوا فِي الْبِلادِ) أي : مفاوز الصفات ومقاماتها (هَلْ مِنْ مَحِيصٍ) عن الفناء بالاحتجاب ببعضها والتواري بها عند إشراق أنوار سبحات الوجه الباقي ، وكيف المحيص ولا تبقى صفة هناك فضلا عن تواريه بها (إِنَّ فِي ذلِكَ) المعنى المذكور لتذكيرا (لِمَنْ كانَ لَهُ قَلْبٌ) كامل بالغ في الترقي إلى حد كماله (أَوْ أَلْقَى السَّمْعَ) في مقام النفس إلى القلب لفهم المعاني والمكاشفات للترقي ، وهو حاضر بقلبه ، متوجه إليه ، مفيض لنوره ، مترقّ إلى مقامه.
[٣٨] (وَلَقَدْ خَلَقْنَا السَّماواتِ وَالْأَرْضَ وَما بَيْنَهُما فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ وَما مَسَّنا مِنْ لُغُوبٍ (٣٨))
(وَلَقَدْ خَلَقْنَا السَّماواتِ وَالْأَرْضَ وَما بَيْنَهُما فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ) أي : ست جهات إن فسرنا السموات والأرض على الظاهر وإن أوّلنا السموات بالأرواح والأرض بالجسم ، فهي صور الممكنات الستّ من الجبروت والملكوت والملك التي هي مجموع الجواهر والإضافيات والكميات والكيفيات التي هي مجموع الأعراض ، فهذه الستة تحصر المخلوقات بأسرها ، والستة الآلاف المذكورة التي هي مدة دور الخفاء على ما ذكر في (الأعراف).
[٣٩ ـ ٤٠] (فَاصْبِرْ عَلى ما يَقُولُونَ وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ وَقَبْلَ الْغُرُوبِ (٣٩) وَمِنَ اللَّيْلِ فَسَبِّحْهُ وَأَدْبارَ السُّجُودِ (٤٠))