بالالتفات إلى الغير ورؤيته (وَما طَغى) بالنظر إلى نفسه واحتجابه بالأنائية.
[١٨ ـ ٢٥] (لَقَدْ رَأى مِنْ آياتِ رَبِّهِ الْكُبْرى (١٨) أَفَرَأَيْتُمُ اللاَّتَ وَالْعُزَّى (١٩) وَمَناةَ الثَّالِثَةَ الْأُخْرى (٢٠) أَلَكُمُ الذَّكَرُ وَلَهُ الْأُنْثى (٢١) تِلْكَ إِذاً قِسْمَةٌ ضِيزى (٢٢) إِنْ هِيَ إِلاَّ أَسْماءٌ سَمَّيْتُمُوها أَنْتُمْ وَآباؤُكُمْ ما أَنْزَلَ اللهُ بِها مِنْ سُلْطانٍ إِنْ يَتَّبِعُونَ إِلاَّ الظَّنَّ وَما تَهْوَى الْأَنْفُسُ وَلَقَدْ جاءَهُمْ مِنْ رَبِّهِمُ الْهُدى (٢٣) أَمْ لِلْإِنْسانِ ما تَمَنَّى (٢٤) فَلِلَّهِ الْآخِرَةُ وَالْأُولى (٢٥))
(لَقَدْ رَأى مِنْ آياتِ رَبِّهِ الْكُبْرى) أي : الصفة الرحمانية الذي يندرج فيها جميع الصفات بتجليه تعالى فيها بل حضرة الاسم الأعظم الذي هو الذات مع جميع الصفات المعبر عنه بلفظة الله في عين جمع الوجود ، بحيث لم يحتجب عن الذات بالصفات ولا بالصفات عن الذات.
[٢٦ ـ ٣٦] (وَكَمْ مِنْ مَلَكٍ فِي السَّماواتِ لا تُغْنِي شَفاعَتُهُمْ شَيْئاً إِلاَّ مِنْ بَعْدِ أَنْ يَأْذَنَ اللهُ لِمَنْ يَشاءُ وَيَرْضى (٢٦) إِنَّ الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ لَيُسَمُّونَ الْمَلائِكَةَ تَسْمِيَةَ الْأُنْثى (٢٧) وَما لَهُمْ بِهِ مِنْ عِلْمٍ إِنْ يَتَّبِعُونَ إِلاَّ الظَّنَّ وَإِنَّ الظَّنَّ لا يُغْنِي مِنَ الْحَقِّ شَيْئاً (٢٨) فَأَعْرِضْ عَنْ مَنْ تَوَلَّى عَنْ ذِكْرِنا وَلَمْ يُرِدْ إِلاَّ الْحَياةَ الدُّنْيا (٢٩) ذلِكَ مَبْلَغُهُمْ مِنَ الْعِلْمِ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنْ ضَلَّ عَنْ سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِمَنِ اهْتَدى (٣٠) وَلِلَّهِ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ لِيَجْزِيَ الَّذِينَ أَساؤُا بِما عَمِلُوا وَيَجْزِيَ الَّذِينَ أَحْسَنُوا بِالْحُسْنَى (٣١) الَّذِينَ يَجْتَنِبُونَ كَبائِرَ الْإِثْمِ وَالْفَواحِشَ إِلاَّ اللَّمَمَ إِنَّ رَبَّكَ واسِعُ الْمَغْفِرَةِ هُوَ أَعْلَمُ بِكُمْ إِذْ أَنْشَأَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ وَإِذْ أَنْتُمْ أَجِنَّةٌ فِي بُطُونِ أُمَّهاتِكُمْ فَلا تُزَكُّوا أَنْفُسَكُمْ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنِ اتَّقى (٣٢) أَفَرَأَيْتَ الَّذِي تَوَلَّى (٣٣) وَأَعْطى قَلِيلاً وَأَكْدى (٣٤) أَعِنْدَهُ عِلْمُ الْغَيْبِ فَهُوَ يَرى (٣٥) أَمْ لَمْ يُنَبَّأْ بِما فِي صُحُفِ مُوسى (٣٦))
(وَكَمْ مِنْ مَلَكٍ فِي السَّماواتِ) إلى آخر الآية ، الشفاعة من الملائكة هي إفاضة الأنوار والإمداد على المستشفع عند استفاضته بالتوسل بالشفيع الذي هو الوسيلة والواسطة المناسبة بينهما واتصال فعلي ، هذا شفاعتهم في حق النفوس البشرية لا تكون إلا إذا كانت مستعدّة في الأصل ، قابلة لفيض الملكوت. ثم تزكّوا عن الهيئات البشرية والغواشي الطبيعية بالتوجه إلى جناب القدس والتجرّد عن ملابس الحس ومواد الرجس فتستفيض من نورها وتستمد من فيضها وتتصل بها وتنخرط في سلكها ، فتتقرّب إلى الله بواسطتها. فالاستعداد القابل الأصلي هو الإذن في الشفاعة والرضا بها هو الزكاء والصفاء الحاصل بالسعي والاجتهاد ، فإذا اجتمعا حصلت الشفاعة وإن لم يكن الاستعداد في الأصل أو كان وقد تغير بالعلائق والغواشي ولم تبق على صفائها فلم يكن إذن ولا رضا من الله فلا شفاعة ، فقوله : (لا تُغْنِي شَفاعَتُهُمْ شَيْئاً) معناه : عدم الشفاعة لا وجودها ، وعدم إغنائها لاستحالة ذلك في عالم الملكوت فهو كقوله :