(وَلِمَنْ خافَ مَقامَ رَبِّهِ) أي : خاف قيامه على نفسه بكونه رقيبا ، حافظا ، مهيمنا عليه كما قال : (أَفَمَنْ هُوَ قائِمٌ عَلى كُلِّ نَفْسٍ بِما كَسَبَتْ) (١) كما يقال : خدمت حضرة فلان أي : نفسه (جَنَّتانِ) إحداهما جنة النفس ، والثانية جنة القلب لأن الخوف من صفات النفس ومنازلها عند تنوّرها بنور القلب (ذَواتا أَفْنانٍ) لتفنن شعبهما من القوى والصفات المورقة للأعمال والأخلاق المثمرة للعلوم والأحوال ، فإن الأفنان هي المغصنات التي تشعبت عن فروع الشجر عليها الأوراق والثمار (فِيهِما عَيْنانِ) من الإدراكات الجزئية والكلية (تَجْرِيانِ) إليهما من جنة الروح تنبتان فيهما ثمرات المدركات وتجليات الصفات.
[٥٢ ـ ٥٧] (فِيهِما مِنْ كُلِّ فاكِهَةٍ زَوْجانِ (٥٢) فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ (٥٣) مُتَّكِئِينَ عَلى فُرُشٍ بَطائِنُها مِنْ إِسْتَبْرَقٍ وَجَنَى الْجَنَّتَيْنِ دانٍ (٥٤) فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ (٥٥) فِيهِنَّ قاصِراتُ الطَّرْفِ لَمْ يَطْمِثْهُنَّ إِنْسٌ قَبْلَهُمْ وَلا جَانٌّ (٥٦))
(فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ (٥٧) فِيهِما مِنْ كُلِّ فاكِهَةٍ) من مدركاتها اللذيذة (زَوْجانِ) أي : صنفان ، صنف جزئي معروف مألوف وصنف كلي غريب لأن كل ما يدركه القلب من المعاني الكلية فله صورة جزئية في النفس وبالعكس (مُتَّكِئِينَ عَلى فُرُشٍ) هي مراتب كمالاتها ومقاماتها (بَطائِنُها مِنْ إِسْتَبْرَقٍ) أي : جهتها التي تلي السفل ، أعني : النفس من هيئات الأعمال الصالحة من فضائل الأخلاق ومكارم الصفات ومحاسن الملكات ، وظهائرها التي تلي الروح من سندس تجليات الأنوار ولطائف المواهب والأحوال الحاصلة من مكاشفات العلوم والمعارف كما هو في سورة (الدخان).
(وَجَنَى الْجَنَّتَيْنِ) ثمراتها ومدركاتها (دانٍ) قريب ، كلما شاؤوا حيث كانوا على أي وضع كانوا قياما أو قعودا أو على جنوبهم أدركوها واجتنوها ونبت في الحال مكانها أخرى من جنسها كما ذكر في وصفها (فِيهِنَّ قاصِراتُ الطَّرْفِ) مما يتصلون بها من النفوس الملكوتية التي في مراتبها وما تحتها سماوية كانت أو أرضية ، مزكاة صافية مطهرة لا يجاوز نظرها مراتبهم ولا تطلب كمالا وراء كمالاتهم لكون استعدادتها مساوية لاستعدادهم أو أنقص منها ، وإلا جاوزت جناتهم وارتفعت عن درجاتهم ، فلم تكن قاصرات الطرف ولم تقنع بوصالهم ولذات معاشراتهم ومباشراتهم (لَمْ يَطْمِثْهُنَّ إِنْسٌ قَبْلَهُمْ) من النفوس البشرية لاختصاصها بهم في النشأة ولتقدّس ذواتها وامتناع اتصال النفوس المنغمسة في الأبدان بها (وَلا جَانٌ) من القوى الوهمية والنفوس الأرضية المحجوبة بالهيئات السفلية.
[٥٨ ـ ٥٩] (كَأَنَّهُنَّ الْياقُوتُ وَالْمَرْجانُ (٥٨) فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ (٥٩))
__________________
(١) سورة الرعد ، الآية : ٣٣.