مواجيدهم وكشفياتهم الذوقية (مِمَّا يَتَخَيَّرُونَ) يأخذون خيره لأنهم واجدون جميعها فيختارون أصفاها وأبهاها وأشرفها وأسناها (وَلَحْمِ طَيْرٍ مِمَّا يَشْتَهُونَ) من لطائف الحكم ودقائق المعاني المقويّة لهم (وَحُورٌ عِينٌ) من تجليات الصفات ومجردات الجبروت وما في مراتبهم من الأرواح المجرّدة (كَأَمْثالِ اللُّؤْلُؤِ) الرطب في صفائها ونوريتها (الْمَكْنُونِ) في الأصداف أو المخزون لكونها في بطنان الغيب وخزائنه مستورة عن الأغيار من أهل الظاهر (جَزاءً بِما كانُوا يَعْمَلُونَ) في حال الاستقامة من الأعمال الإلهية المقصودة لذاتها المقارنة لجزائها ، أو بما كانوا يعملون في حال السلوك من أعمال التزكية والتصفية.
[٢٥ ـ ٢٦] (لا يَسْمَعُونَ فِيها لَغْواً وَلا تَأْثِيماً (٢٥) إِلاَّ قِيلاً سَلاماً سَلاماً (٢٦))
(لا يَسْمَعُونَ فِيها لَغْواً) هذيانا وكلاما غير مفيد لمعنى لكونهم أهل التحقيق متأدّبين بين يدي الله بآداب الروحانيين (وَلا تَأْثِيماً) من الفواحش التي يؤثم بها صاحبها كالغيبة والكذب وأمثالهما (إِلَّا قِيلاً سَلاماً سَلاماً) أي : قولا هو سلام في نفسه منزه عن النقائص مبرأ عن الفضول والزوائد ، وقولا يفيد سلامة السامع من العيوب والنقائص ويوجب سروره وكرامته ويبين كماله وبهجته لكون كلامهم كله معارف وحقائق وتحايا ولطائف على اختلاف وجهي الإعراب.
[٢٧ ـ ٣٤] (وَأَصْحابُ الْيَمِينِ ما أَصْحابُ الْيَمِينِ (٢٧) فِي سِدْرٍ مَخْضُودٍ (٢٨) وَطَلْحٍ مَنْضُودٍ (٢٩) وَظِلٍّ مَمْدُودٍ (٣٠) وَماءٍ مَسْكُوبٍ (٣١) وَفاكِهَةٍ كَثِيرَةٍ (٣٢) لا مَقْطُوعَةٍ وَلا مَمْنُوعَةٍ (٣٣) وَفُرُشٍ مَرْفُوعَةٍ (٣٤))
(وَأَصْحابُ الْيَمِينِ ما أَصْحابُ الْيَمِينِ) أي : هم شرفاء عظماء كرماء يتعجب من أوصافهم في السعادة (فِي سِدْرٍ مَخْضُودٍ) أي : في جنة النفس المخضودة عن شوك تضادّ القوى والطبائع وتنازع الأهواء والدواعي لتجرّدها عن هيئات صفاتها بنور الروح والقلب أو موقرة بثمار الحسنات والهيئات الصالحات على اختلاف التفسيرين (وَطَلْحٍ مَنْضُودٍ) أي : في جنة القلب لأن الطلح شجرة الموز وثمرتها حلوة دسمة لذيذة لا نوى لها كمدركات القلب ومعانيه المجردة عن المواد والهيئات الجرمية بخلاف السدر التي هي شجرة النبق الكثيرة النوى كمدركات النفس الجزئية المقرونة باللواحق المادية والهيئات الجرمية منضود نضد ثمره من أسفله إلى أعلاه لا ساق بارزة لها لكثرة تكون مدركاته غير متناهية الكثرة (وَظِلٍّ مَمْدُودٍ) من نور الروح المروّح (وَماءٍ مَسْكُوبٍ) أي : علم يرشح عليهم ويسكب من عالم الروح ، وإنما سكب سكبا ولم يجر جريانا لقلّة علوم السعداء بالنسبة إلى أعمالهم ، إذ ثقل علومهم الروحانية من المواجيد والمعارف والتوحيديات والذوقيات وإن كثرت علومهم النافعة (وَفاكِهَةٍ كَثِيرَةٍ)