المحبوب ويبلغ غايته في الكمال بل أكثرهم في جنات الصفات واقفين في درجات السعداء ، والمحبوبون كلهم في جنة الذات بالغين أقصى الغايات ، ولهذاقال رسول الله صلىاللهعليهوسلم : «الثنتان جميعا من أمتي» ، أي : ليس الأولون من أمم المتقدمين والآخرون من أمّته عليهالسلام ، بل العكس أولى أو ثلة من أوائل هذه الأمة الذين شاهدوا النبي صلىاللهعليهوسلم وأدركوا طراوة الوحي في زمانه أو قاربوا زمانه وشاهدوا من صحبه من التابعين ، والآخرون هم الذين طال عليهم الأمد فقست قلوبهم في آخر دور الدعوة وقرب زمان خروج المهدي عليهالسلام لا الذين هم في زمانه ، فإن السابقين في زمانه أكثر لكونهم أصحاب القيامة الكبرى وأهل الكشف والظهور.
[١٥ ـ ١٦] (عَلى سُرُرٍ مَوْضُونَةٍ (١٥) مُتَّكِئِينَ عَلَيْها مُتَقابِلِينَ (١٦))
(عَلى سُرُرٍ مَوْضُونَةٍ) أي : متواصلة متراصفة من الوجودات الموهوبة الحقانية المخصوصة بكل أحد منهم ، كقوله عليهالسلام : «على منابر من نور» أو على مراتب الصفات (مُتَّكِئِينَ عَلَيْها) متظاهرين فيها لكونها من مقاماتهم (مُتَقابِلِينَ) متساوين في الرتب لا حجاب بينهم أصلا في عين الوحدة لتحققهم بالذات وتخيرهم في الظهور بأيّ صفة من الصفات شاءوا بجمعهم المحبة الذاتية لا يحتجبون بالصفات عن الذات ولا بالذات عن الصفات.
[١٧] (يَطُوفُ عَلَيْهِمْ وِلْدانٌ مُخَلَّدُونَ (١٧))
(يَطُوفُ عَلَيْهِمْ وِلْدانٌ مُخَلَّدُونَ) تخدمهم قواهم الروحانية الدائمة بدولة ذواتهم أو الأحداث المستعدّون من أهل الإرادة المتصلون بهم بفرط الإرادة ، كما قال : (بِإِيمانٍ أَلْحَقْنا بِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ) (١) أو الملكوت السماوية.
[١٨ ـ ٢٤] (بِأَكْوابٍ وَأَبارِيقَ وَكَأْسٍ مِنْ مَعِينٍ (١٨) لا يُصَدَّعُونَ عَنْها وَلا يُنْزِفُونَ (١٩) وَفاكِهَةٍ مِمَّا يَتَخَيَّرُونَ (٢٠) وَلَحْمِ طَيْرٍ مِمَّا يَشْتَهُونَ (٢١) وَحُورٌ عِينٌ (٢٢))
(كَأَمْثالِ اللُّؤْلُؤِ الْمَكْنُونِ (٢٣) جَزاءً بِما كانُوا يَعْمَلُونَ (٢٤) بِأَكْوابٍ وَأَبارِيقَ) من خمور الإرادة والمعرفة والمحبة والعشق والذوق ومياه الحكم والعلوم (لا يُصَدَّعُونَ عَنْها) أي : كلها لذّة لا ألم معها ولا خمار لكونهم واصلين واجدين لذة برد اليقين ، شاربين الشراب الكافوري. فإن محبة الوصول خالصة عن ألم الشوق وخوف الفقدان (وَلا يُنْزِفُونَ) لا يذهب تمييزهم وعقلهم بالسكر ولا يطفحون لكونهم أهل الصحو غير محجوبين بالذات عن الصفات فيلحقهم السكر ويغلب عليهم الحال (وَفاكِهَةٍ) من
__________________
(١) سورة الطور ، الآية : ٢١.