بل له إيذاء وإيلام وضرّ بإيصال التعب واللهب والكرب (إِنَّهُمْ كانُوا قَبْلَ ذلِكَ مُتْرَفِينَ) منهمكين في اللذات والشهوات ، منغمسين في الأمور الطبيعية والغواشي البدنية ، فبذلك اكتسبوا هذه الهيئات الموبقة والتبعات المهلكة (وَكانُوا يُصِرُّونَ عَلَى الْحِنْثِ الْعَظِيمِ) من الأقاويل الباطلة والعقائد الفاسدة التي استحقوا بها العذاب المخلّد والعقاب المؤبّد (وَكانُوا يَقُولُونَ) أي : من جملة عقائدهم إنكار البعث (الضَّالُّونَ الْمُكَذِّبُونَ) أي : الجاهلون المصرون على جهالاتهم وإنكار ما يخالف عقائدهم الباطلة من الحق (لَآكِلُونَ مِنْ شَجَرٍ مِنْ زَقُّومٍ) أي : من نفس متعبدة اللذات والشهوات ، منغمسة فيها ، منجذبة إلى السفليات من الطبيعيات لتعوّدكم بها وبفوائدها (فَمالِؤُنَ مِنْهَا) ومن ثمراتها الوبية البشعة المحرقة التي هي الهيئات المنافية للكمال الموجبة للوبال (الْبُطُونَ) لشدّة حرصكم ونهمكم وضراوتكم بها لشرهكم وسقمكم (فَشارِبُونَ عَلَيْهِ مِنَ الْحَمِيمِ) من الوهميات الباطلة والشبهات الكاذبة التي هي من باب الجهل المورّط في المهالك والمعاطب ، المسيغ لتلك الأعمال الشيطانية والأعمال البهيمية الظلمانية (فَشارِبُونَ شُرْبَ الْهِيمِ) أي : التي بها الهيام من الإبل وهو داء لا ريّ معه لشدّة شغفكم وكلبكم بها.
[٥٧ ـ ٧٤] (نَحْنُ خَلَقْناكُمْ فَلَوْ لا تُصَدِّقُونَ (٥٧) أَفَرَأَيْتُمْ ما تُمْنُونَ (٥٨) أَأَنْتُمْ تَخْلُقُونَهُ أَمْ نَحْنُ الْخالِقُونَ (٥٩) نَحْنُ قَدَّرْنا بَيْنَكُمُ الْمَوْتَ وَما نَحْنُ بِمَسْبُوقِينَ (٦٠) عَلى أَنْ نُبَدِّلَ أَمْثالَكُمْ وَنُنْشِئَكُمْ فِي ما لا تَعْلَمُونَ (٦١) وَلَقَدْ عَلِمْتُمُ النَّشْأَةَ الْأُولى فَلَوْ لا تَذَكَّرُونَ (٦٢) أَفَرَأَيْتُمْ ما تَحْرُثُونَ (٦٣) أَأَنْتُمْ تَزْرَعُونَهُ أَمْ نَحْنُ الزَّارِعُونَ (٦٤) لَوْ نَشاءُ لَجَعَلْناهُ حُطاماً فَظَلْتُمْ تَفَكَّهُونَ (٦٥) إِنَّا لَمُغْرَمُونَ (٦٦) بَلْ نَحْنُ مَحْرُومُونَ (٦٧) أَفَرَأَيْتُمُ الْماءَ الَّذِي تَشْرَبُونَ (٦٨) أَأَنْتُمْ أَنْزَلْتُمُوهُ مِنَ الْمُزْنِ أَمْ نَحْنُ الْمُنْزِلُونَ (٦٩) لَوْ نَشاءُ جَعَلْناهُ أُجاجاً فَلَوْ لا تَشْكُرُونَ (٧٠) أَفَرَأَيْتُمُ النَّارَ الَّتِي تُورُونَ (٧١) أَأَنْتُمْ أَنْشَأْتُمْ شَجَرَتَها أَمْ نَحْنُ الْمُنْشِؤُنَ (٧٢) نَحْنُ جَعَلْناها تَذْكِرَةً وَمَتاعاً لِلْمُقْوِينَ (٧٣) فَسَبِّحْ بِاسْمِ رَبِّكَ الْعَظِيمِ (٧٤))
(نَحْنُ خَلَقْناكُمْ) بإظهاركم بوجودنا وظهورنا في صوركم (فَلَوْ لا تُصَدِّقُونَ* أَفَرَأَيْتُمْ ما تُمْنُونَ أَأَنْتُمْ تَخْلُقُونَهُ) بإفاضة الصورة الإنسانية عليه (أَمْ نَحْنُ الْخالِقُونَ أَفَرَأَيْتُمْ ما تَحْرُثُونَ أَأَنْتُمْ تَزْرَعُونَهُ) بإنزال الصور النوعية عليه (أَمْ نَحْنُ الزَّارِعُونَ أَفَرَأَيْتُمُ) ماء العلم الذي تشربونه بتعطش استعدادكم (أَأَنْتُمْ أَنْزَلْتُمُوهُ) من مزن العقل الهيولاني (أَمْ نَحْنُ الْمُنْزِلُونَ لَوْ نَشاءُ جَعَلْناهُ أُجاجاً) بصرفه في تدابير المعاش وترتيب الحياة الدنيا (فَلَوْ لا تَشْكُرُونَ أَفَرَأَيْتُمُ) نار المعاني القدسية (الَّتِي تُورُونَ) بقدح زناد الفكر (أَأَنْتُمْ أَنْشَأْتُمْ شَجَرَتَها) أي : القوة الفكرية (أَمْ نَحْنُ الْمُنْشِؤُنَ نَحْنُ جَعَلْناها تَذْكِرَةً) تذكير للعهد الأزلي في العالم القدسي (وَمَتاعاً) للذين لا زاد لهم في السلوك من العلم والعمل.