(ما أَصابَ مِنْ مُصِيبَةٍ) من الحوادث الخارجية والبدنية والنفسانية (إِلَّا فِي كِتابٍ) هو القلب الكلي المسمى باللوح المحفوظ. لتعلموا علما يقينا أنه ليس من لكسبكم وحفظكم وحذركم وحراستكم فيما آتاكم مدخل وتأثير ، ولا لعجزكم وإهمالكم وغفلتكم وقلّة حيلتكم وعدم احترازكم واحتفاظكم فيما فاتكم مدخل ، فلا تحزنوا على فوات خير ونزول شر ولا تفرحوا بوصول خير وزوال شرّ إذ كلها مقدّرة إن (اللهُ لا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتالٍ) أي : متبختر من شدّة الفرح بما آتاه (فَخُورٍ) به لعدم يقينه وبعده عن الحق بحب الدنيا وانجذابه إلى الجهة السفلية بمنافاته للحضرة الإلهية واحتجابه بالظلمات عن النور.
[٢٤] (الَّذِينَ يَبْخَلُونَ وَيَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبُخْلِ وَمَنْ يَتَوَلَّ فَإِنَّ اللهَ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ (٢٤))
(الَّذِينَ يَبْخَلُونَ) لشدّة محبة المال (وَيَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبُخْلِ) لاستيلاء الرذيلة عليهم (وَمَنْ يَتَوَلَ) أي : يعرض عن الله بالتوجه إلى العالم السفلي والجوهر الغاسق الظلماني (فَإِنَّ اللهَ هُوَ الْغَنِيُ) عنه لاستغنائه بذاته (الْحَمِيدُ) لاستقلاله بكماله ، أي : يخذله ويمهله.
[٢٥ ـ ٢٧] (لَقَدْ أَرْسَلْنا رُسُلَنا بِالْبَيِّناتِ وَأَنْزَلْنا مَعَهُمُ الْكِتابَ وَالْمِيزانَ لِيَقُومَ النَّاسُ بِالْقِسْطِ وَأَنْزَلْنَا الْحَدِيدَ فِيهِ بَأْسٌ شَدِيدٌ وَمَنافِعُ لِلنَّاسِ وَلِيَعْلَمَ اللهُ مَنْ يَنْصُرُهُ وَرُسُلَهُ بِالْغَيْبِ إِنَّ اللهَ قَوِيٌّ عَزِيزٌ (٢٥) وَلَقَدْ أَرْسَلْنا نُوحاً وَإِبْراهِيمَ وَجَعَلْنا فِي ذُرِّيَّتِهِمَا النُّبُوَّةَ وَالْكِتابَ فَمِنْهُمْ مُهْتَدٍ وَكَثِيرٌ مِنْهُمْ فاسِقُونَ (٢٦) ثُمَّ قَفَّيْنا عَلى آثارِهِمْ بِرُسُلِنا وَقَفَّيْنا بِعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ وَآتَيْناهُ الْإِنْجِيلَ وَجَعَلْنا فِي قُلُوبِ الَّذِينَ اتَّبَعُوهُ رَأْفَةً وَرَحْمَةً وَرَهْبانِيَّةً ابْتَدَعُوها ما كَتَبْناها عَلَيْهِمْ إِلاَّ ابْتِغاءَ رِضْوانِ اللهِ فَما رَعَوْها حَقَّ رِعايَتِها فَآتَيْنَا الَّذِينَ آمَنُوا مِنْهُمْ أَجْرَهُمْ وَكَثِيرٌ مِنْهُمْ فاسِقُونَ (٢٧))
(لَقَدْ أَرْسَلْنا رُسُلَنا بِالْبَيِّناتِ) بالمعارف والحكم (وَأَنْزَلْنا مَعَهُمُ الْكِتابَ) أي : الكتابة (وَالْمِيزانَ) أي : العدل لأنه آلته (وَأَنْزَلْنَا الْحَدِيدَ) أي : السيف لأنه مادّته وهي الأمور التي بها يتم الكمال النوعي وينضبط النظام الكلي المؤدّي إلى صلاح المعاش والمعاد إذ الأصل المعتبر والمبدأ الأول هو العلم والحكمة ، والأصل المعوّل عليه في العمل والاستقامة في طريق الكمال هو العدل ، ثم لا ينضبط النظام ولا يتمشى صلاح الكل إلا بالسيف والقلم اللذان يتم بهما أمر السياسة ، فالأربعة هي أركان كمال النوع وصلاح الجمهور ويجوز أن تكون البينات إشارة إلى المعارف والحقائق النظرية ، والكتاب إشارة إلى الشريعة والحكم العملية ، والميزان إلى العمل بالعدل ، والسوية والحديد إلى القهر ودفع شرور البرية. وقيل : البينات العلوم الحقيقية والثلاثة الباقية هي النواميس الثلاثة المشهورة المذكورة في الكتب الحكمية ، أي : الشرع والدينار المعدّل للأشياء في المعاوضات والملك وأيّا ما كان فهي الأمور المتضمنة للكمال الشخصي والنوعي في الدارين إذ لا يحصل كمال الشخص إلا بالعلم