الصدقة. أما الأول والثاني فيجب فيهما تقديم الانسلاخ عن الأفعال والصفات والتجرّد عن الخارجيات من الأسباب والأموال وقطع تعلقات المسمى بالترك ثم محو آثار والهيئات الباقية منها النفس المسمى بالتجريد عندهم ثم قطع النظر عن أفعاله وصفاته والترقي إلى مقام الروح في الأول وإلى مقام القلب في الثاني حتى يصفو له مقام التناجي الروحي مع النبي في الأسرار الإلهية والمسارة القلبية في الأمور الكشفية. ولهذا قال ابن عمر رضي الله عنه : «كان لعليّ عليهالسلام ثلاث لو كانت لي واحدة منهن كانت أحبّ إليّ من حمر النعم : تزويجه فاطمة وإعطاؤه الراية يوم خيبر وآية النجوى». وأما الثالث فيجب فيه تقديم الخيرات ببذل الأموال شكرا لتلك النعمة حتى تبقى وتزيد.
(فَإِنْ لَمْ تَجِدُوا) في الأوّلين للتخلف عن المقامين بالوقوف مع النفس ، وفي الثالث لشح النفس والفقر (فَإِنَّ اللهَ غَفُورٌ) للصفات النفسانية بأنوار صفاته (رَحِيمٌ) بإفاضة أنوار التجليات والمشاهدات والمعارف والمكاشفات الموجبة لوجدان تلك الصدقة في الأولين أو غفور لرذيلة الشحّ وكربة الفقر ، رحيم بالتوفيق لاكتساب الفضيلة وتيسيرها وإعطاء المال في الثالث وكذا الإشفاق والتوبة إنما يكونان لما ذكر. ثم أمر بما يزيل التخلف المذكور ورذيلة الشح وشدّة الفقر إذ بصلاة الحضور والمراقبة في مقام القلب يحصل الأول ، وبزكاة الترك والتجريد يحصل الثاني ، وبطاعة الله ورسوله في الأعمال الخيرية يحصل الثالث لأن الخير عادة ، وببركة الطاعة ينتفي الفقر لحصول الاستغناء باللهقال الله تعالى : «من أصلح أمر آخرته أصلح الله أمر دنياه».
[١٤ ـ ٢١] (أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ تَوَلَّوْا قَوْماً غَضِبَ اللهُ عَلَيْهِمْ ما هُمْ مِنْكُمْ وَلا مِنْهُمْ وَيَحْلِفُونَ عَلَى الْكَذِبِ وَهُمْ يَعْلَمُونَ (١٤) أَعَدَّ اللهُ لَهُمْ عَذاباً شَدِيداً إِنَّهُمْ ساءَ ما كانُوا يَعْمَلُونَ (١٥) اتَّخَذُوا أَيْمانَهُمْ جُنَّةً فَصَدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللهِ فَلَهُمْ عَذابٌ مُهِينٌ (١٦) لَنْ تُغْنِيَ عَنْهُمْ أَمْوالُهُمْ وَلا أَوْلادُهُمْ مِنَ اللهِ شَيْئاً أُولئِكَ أَصْحابُ النَّارِ هُمْ فِيها خالِدُونَ (١٧) يَوْمَ يَبْعَثُهُمُ اللهُ جَمِيعاً فَيَحْلِفُونَ لَهُ كَما يَحْلِفُونَ لَكُمْ وَيَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ عَلى شَيْءٍ أَلا إِنَّهُمْ هُمُ الْكاذِبُونَ (١٨) اسْتَحْوَذَ عَلَيْهِمُ الشَّيْطانُ فَأَنْساهُمْ ذِكْرَ اللهِ أُولئِكَ حِزْبُ الشَّيْطانِ أَلا إِنَّ حِزْبَ الشَّيْطانِ هُمُ الْخاسِرُونَ (١٩) إِنَّ الَّذِينَ يُحَادُّونَ اللهَ وَرَسُولَهُ أُولئِكَ فِي الْأَذَلِّينَ (٢٠) كَتَبَ اللهُ لَأَغْلِبَنَّ أَنَا وَرُسُلِي إِنَّ اللهَ قَوِيٌّ عَزِيزٌ (٢١))
(أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ تَوَلَّوْا قَوْماً غَضِبَ اللهُ عَلَيْهِمْ ما هُمْ مِنْكُمْ وَلا مِنْهُمْ) لأنّ الموالاة لا تكون ثابتة حقيقة إلا مع الجنسية والمناسبة ، فإن كانت وجب إزالتها وإلا وجب الاحتراز من سرايتها بالصحبة والموالاة وإنما تمكن الموالاة مع عدمها إذا كانت بسبب خارجي من نفع أو لذّة زالت بزواله وإلا لما أمكنت ، ولهذا نفى الموالاة الحقيقية بينهم بنفي موجبها فقال : (ما