الحكماء أنه رأى غلاما حسنا وجهه ، فاستنطقه لظنه ذكاءه وفطنته فما وجد عنده معنى فقال : ما أحسن هذا البيت لو كان فيه ساكن ، وهذا معنى قوله : (كَأَنَّهُمْ خُشُبٌ مُسَنَّدَةٌ) أي : أجرام خالية عن الأرواح لا نفع فيها ولا ثمر كالأخشاب المسندة إلى الجدران عند الجفاف وزوال الروح النامية عنها ، فهم في زوال استعداد الحياة الحقيقية والروح الإنساني بمثابتها (يَحْسَبُونَ كُلَّ صَيْحَةٍ عَلَيْهِمْ هُمُ الْعَدُوُّ) لأن الشجاعة إنما تكون من اليقين ، واليقين من نور الفطرة وصفاء القلب ، وهم منغمسون في ظلمات صفات النفوس محتجبون باللذات والشهوات أهل الشك والارتياب ، فلذلك غلبهم الجبن والخور فاحذرهم فقد بطل استعدادهم فلا يهتدون بنورك ولا تؤثر فيهم صحبتك (لَوَّوْا رُؤُسَهُمْ) لضراوتهم بالأمور الظلمانية واعتيادهم بالكمالات البهيمية والسبعية فلا يألفون النور ولا يشتاقون إليه ولا إلى الكمالات الإنسانية لمسخ الصورة الذاتية (وَرَأَيْتَهُمْ يَصُدُّونَ) يعرضون لانجذابهم إلى الجهة السفلية والزخارف الدنيوية فلا ميل في طباعهم إلى الجهة العلوية والمعاني الأخروية (وَهُمْ مُسْتَكْبِرُونَ) لغلبة الشيطنة واستيلاء القوة الوهمية واحتجابهم بالأنائية وقصور الخيرية (لَنْ يَغْفِرَ اللهُ لَهُمْ) لرسوخ الهيئات الظلمانية فيهم وزوال قبول استعداداتهم للهداية لفسقهم وخروجهم عن دين الفطرة القيم.
[٧ ـ ٨] (هُمُ الَّذِينَ يَقُولُونَ لا تُنْفِقُوا عَلى مَنْ عِنْدَ رَسُولِ اللهِ حَتَّى يَنْفَضُّوا وَلِلَّهِ خَزائِنُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَلكِنَّ الْمُنافِقِينَ لا يَفْقَهُونَ (٧) يَقُولُونَ لَئِنْ رَجَعْنا إِلَى الْمَدِينَةِ لَيُخْرِجَنَّ الْأَعَزُّ مِنْهَا الْأَذَلَّ وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَلكِنَّ الْمُنافِقِينَ لا يَعْلَمُونَ (٨))
(يَقُولُونَ لا تُنْفِقُوا عَلى مَنْ عِنْدَ رَسُولِ اللهِ حَتَّى يَنْفَضُّوا) لاحتجابهم بأفعالهم عن رؤية فعل الله وبما في أيديهم عما في خزائن الله فيتوهمون الإنفاق منهم لجهلهم وكذا توهموا العزّة والقدرة ولأنفسهم لاحتجابهم بصفاتهم عن صفات الله فقالوا : (لَيُخْرِجَنَّ الْأَعَزُّ مِنْهَا الْأَذَلَ) ولم يشعروا أن العزة والقوة والقدرة كلها أنوار ذات الله تعالى وصفاته اللازمة لذاته فبقدر القرب منه والفناء فيه والمحو في صفاته تظهر على المظاهر الإنسية ولا أقرب إليه من رسول الله صلىاللهعليهوسلم ثم المؤمنين المحققين الموقنين فلا أعز منه عليهالسلام من جميع الخلق ثم الذين يلونه من المؤمنين (وَلكِنَّ الْمُنافِقِينَ لا يَعْلَمُونَ) لمكان احتجابهم وشدّة ارتيابهم. ولقد قيض من نفس من تكلم بهذا الكلام من أخرجه وحبسه ولم يدعه يدخل المدينة حتى أقر بأن العزة لله ولرسوله وللمؤمنين. روي أن القائل لذلك هو عبد الله بن أبيّ ، فلما رجعوا إلى المدينة سلّ ابنه السيف ومنع أباه من الدخول ، فلم يزل حبيسا في يده حتى أذن له رسول الله صلىاللهعليهوسلم وشهد هو بعزّة الله ورسوله والمؤمنين.